كتاب شرح عمدة الفقه - ابن تيمية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)

أُمْطِروا عامَ بدرٍ كما دلّ عليه القرآن، والمطرُ إنما يكون في الربيع الذي قبل الشتاء المسمّى بالخريف، وفي الصيف الذي بعده المسمّى بالربيع، لكن العادة أن رمضان في السنة الثانية يكون قبل الوقت الذي كان فيه في السنة الأولى بنحو أحد عشر يومًا، فلما كان في غزوة الفتح رمضان في حرٍّ شديد، عُلِمَ أنه كان قبل ذلك فيما بين الخريف والحرّ الشديد، لا فيما بين الربيع الذي بعد الشتاء وبين الحرّ الشديد؛ لِما ذكرنا أن السَّنة إنما تدور وراء، وهو أول رمضان فُرِض، والسَّنة إنما تدور في ثلاثة وثلاثين سنة، يقع منها نحو ستة عشر في الصيف وما يقاربه.
الثالث: أن السماء إذا كانت مُصْحية وتقاعَد الناسُ عن رؤية الهلال، أو ادّعى رؤيتَه مَن لا يُقبل خبرُه، أو جاز أن يكون قد رُئي في موضع آخر، أو تحدّث به الناسُ ولم يثبت، كان شكًّا مرجوحًا؛ لأن الغالب الظاهر أنه لو كان هناك هلال لرآه بعض المقبولين، والأصل عدم الهلال، فاعتضد على عدم الهلالِ الأصلُ النافي المبنيّ عليه استصحابُ الحال والظاهرُ الغالب، فلم يكن لتقدير طلوعه بعد هذا إلا مجرّد وهم وخيال، وأحكام الله لا تُبنى على ذلك، فكان الصوم والحالُ هذه مجرّدَ غُلوٍّ (¬١) في الدين وتعمّقٍ، كالمتورّع عن مال رجل مسلم مستور، وتقدير (¬٢) الشبهات والاحتمالات التي لا أمارة عليها، وهذا مما لا يُلتفت إليه.
ثم إنه في حال الصحو للناس طريقٌ إلى العلم به، وهو ترائي (¬٣) مطلعه
---------------
(¬١) س: «غلوًا» خطأ.
(¬٢) في المطبوع: «وكتقدير».
(¬٣) ق: «ترائيه في».

الصفحة 76