كتاب شرح عمدة الفقه - ابن تيمية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 4)
وكذلك دعاء الابن بعد موته من جملة عمله، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جارية، أو علمٍ يُنتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له» (¬١). فكيف لا يجب عليه أن يحج مع بذل الابن له ذلك؟ ولا مؤنة (¬٢) عليه فيه أصلًا.
وطَرْدُ هذا أنه (¬٣) يجب على الأب أن يقبل من مال ابنه ما يؤدي به دَينه، بل ينبغي أن يكون هذا مسلَّمًا بلا خلاف؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - شبَّهه بالدين، فعلى هذا يُشترَط في الباذل ... (¬٤).
ووجه الأول أن الله سبحانه قال: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}، وقد فسَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - السبيل بأنه الزاد والراحلة، وفي لفظٍ: سُئل: ما يوجب الحج؟ قال: «الزاد والراحلة». وفي لفظ: «مَن مَلَك زادًا وراحلة تُبلِّغه إلى بيت الله تعالى ولم يحجّ، فليمت إن شاء يهوديًّا، وإن شاء نصرانيًّا» (¬٥). فعُلِم بذلك أن الحج لا يوجبه إلا مِلْك الزاد والراحلة.
فإن قيل: قوله: «ما يُوجِب الحج؟» يعني حجَّ المرء بنفسه، ولم يتعرَّض لحج غيره عنه، ولم يفرق في الزاد والراحلة بين أن تكون مملوكة أو مباحة،
---------------
(¬١) أخرجه مسلم (١٦٣١) من حديث أبي هريرة.
(¬٢) كذا، ولعل الصواب: «منة» كما يظهر من السياق.
(¬٣) س: «أن».
(¬٤) بياض في النسختين.
(¬٥) سبق تخريج هذه الأحاديث.