كتاب شرح عمدة الفقه - ابن تيمية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 4)
وقد خرَّج أصحابنا تخريجًا أن الحلق والتقليم مثل قتل الصيد، فيلحق الجماع بذلك.
وقد يقال: الجماع أولى بذلك من قتل الصيد، لأنه أقرب إلى الاستمتاع الذي هو اللباس والطيب من قتل الصيد، فإنه إتلافٌ محض، وعلى روايةٍ ذكرها بعض أصحابنا (¬١): أن جماع الناسي لا يبطل الصوم.
ويتخرج أنه يوجب الكفارة ولا يُبطل الإحرام، كإحدى الروايتين فيمن جامع ناسيًا أو جاهلًا، حيث قلنا: يبطل الصوم ولا كفارة فيه، فإن إبطال الصوم نظير إيجاب الكفارة في الإحرام، ووجوب الكفارة هناك نظير فساد الإحرام، لأن كفارة الصوم لا تجب إلا بالجماع (¬٢)، كما لا يبطل الإحرام إلا بالجماع، بخلاف ما يُفسِد الصيام ويوجب الكفارة في الإحرام فإنه متعدد.
لكن محظورات الإحرام عند أصحابنا أغلظُ من محظورات الصيام لوجهين:
أحدهما: أن الإحرام في نفسه أوكدُ من الصيام من وجوه متعددة، مثل: كونه لا يقع إلا لازمًا، ولا يخرج منه بالفساد، وكونه يحرم فيه جميع المباشرات، وكونه لا يخرج منه بالأعذار.
الثاني: أن الإحرام عليه علامة تدل عليه، من التجرُّد والتلبية وأعمال النسك ورؤية المشاعر ومخالطة الحجيج، فلا يُعذر فيه بالنسيان، بخلاف الصيام فإنه ترك محض.
---------------
(¬١) انظر «المغني» (٤/ ٣٧٤).
(¬٢) في النسختين: «الإجماع به». والصواب ما أثبت كما يدل عليه السياق.