كتاب شرح عمدة الفقه - ابن تيمية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 5)
{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: ٣٣]. وإنما يوجب التخييرَ إذا ابُتدِئ بأسهل الخصال، كقوله: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: ١٩٦]، وقوله: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: ٨٩]، فلما بدأ بالأسهل عُلِم أنه يجوز إخراجه. وفي هذه الآية وقع الابتداء بأشدِّ الخصال، كما ابتُدِئ بذلك (¬١) في آية المحاربين، فوجب أن يكون على الترتيب.
ووجهُ الأولى (¬٢) ــ وهي اختيار الخِرقي (¬٣) والقاضي (¬٤) وأصحابه، ويُشبِه أن تكون هي المتأخرة؛ لأن البغوي إنما سمع منه آخِرًا (¬٥)، بخلاف ابن الحكم فإن رواياته قديمة؛ لأنه مات قبل أحمد ــ قولُه: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: ٩٥].
وحرف «أو» إذا جاءت في سياق الأمر والطلب فإنها تفيد التخيير بين المعطوف والمعطوف عليه، أو إباحةَ كلٍّ منهما على الاجتماع والانفراد،
---------------
(¬١) «بذلك» ساقطة من المطبوع.
(¬٢) أي الرواية الأولى المفيدة للتخيير.
(¬٣) في «مختصره» مع «المغني» (٥/ ٤١٥).
(¬٤) في «التعليقة» (٢/ ٣٣١).
(¬٥) في المطبوع: «آخر» خطأ.