كتاب العمدة في إعراب البردة قصيدة البوصيري

28 ولا تزوّدت قبل الموت نافلة ... ولم أصلّ سوى فرض ولم اصم
29 ظلمت سنّة من أحيا الظّلام إلى ... أن اشتكت قدماه الضّرّ من ورم
30 وشد من سغب أحشاءه وطوى ... تحت الحجارة كشحا مترف الأدم «1»
31 وراودته الجبال الشّمّ من ذهب ... عن نفسه فأراها أيّما شمم
32 وأكّدت زهده فيها ضرورته ... إنّ الضّرورة لا تعدو على العصم «2»
33 وكيف تدعو إلى الدّنيا ضرورة من ... لولاه لم تخرج الدّنيا من العدم
34 محمّد سيّد الكونين ... والثّقلين والفريقين من عرب ومن عجم
35 نبيّنا الامر النّاهي فلا أحد ... أبرّ في قول «لا» منه ولا «نعم»
36 هو الحبيب الذي ترجى شفاعته ... لكلّ هول من الأهوال مقتحم
37 دعا إلى الله فالمستمسكون به ... مستمسكون بحبل غير منفصم
38 فاق النّبيّين في خلق وفي خلق ... ولم يدانوه في علم ولا كرم
39 وكلّهم من رسول الله ملتمس ... غرفا من البحر أو رشفا «3» من الدّيم
40 وواقفون لديه عند حدّهم ... من نقطة العلم أو من شكلة الحكم «4»
41 فهو الذي تمّ معناه وصورته ... ثمّ اصطفاه حبيبا باريّ النّسم»
42 منزّه عن شريك في محاسنه ... فجوهر الحسن فيه غير منقسم
43 دع ما ادّعته النّصارى في نبيّهم ... واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم
44 وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف ... وانسب إلى قدره ما شئت من عظم
45 فإنّ فضل رسول الله ليس له ... حدّ فيعرب عنه ناطق بفم
46 لو ناسبت قدره آياته عظاما ... أحيا اسمه حين يدعى دارس الرّمم
__________
(1) السغب: الجوع. والكشح: ما بين الخاصرة إلى الضلع. والمترف: المنعم.
(2) العصم: جمع عصمة، وهي الحفظ.
(3) الرشف: المص. والديم: جمع ديمة، وهي المطر.
(4) الحكم جمع حكمة وهي وضع الأشياء في مواضعها.
(5) النسم: جمع نسمة، وهي الإنسان.

الصفحة 40