لهذا أهلا فهبه للعرب كلّها، فأنت تعلم أنّ ملوك العجم لم تزل تفضل على ملوك العرب، ومن ذلك ما كان من كسرى إلى النّعمان حتى ملّكه، وأنت اليوم نقيّة (¬1) العجم وشريفها، والقاسم شريف العرب فكن اليوم شريفا من العجم أنعم على شريف من العرب وعفا عنه. فقال: ما عندي في هذا جواب إلاّ ما سمعته مني. وتنكّر وتبيّنت الشرّ في وجهه، فقلت في نفسي:
أنصرف، وأدع هذا يقتل، لا والله، ولكنّي أمثل بين يديه قائما [وأكلّمه] (¬2) فلعلّه يستحي. فقمت، وتوهّمني أريد الانصراف فتحفّز لي. فقلت: لست أريد الانصراف، وإنّما مثلت بين يديك قائما طالبا ضارعا سائلا مستوهبا هذا الرّجل منك. وكان جوابه أغلظّ فتحيّرت، وقلت في نفسي، أقبّل رأس هذا الأقلف (¬3) لا يكون هذا أبدا. ثم راجعتني الشّفقة على أبي دلف، فقبّلت رأسه وضرعت إليه، فلم يجبني، فأخذت فيما قدم وحدث (¬4)، وعدت فجلست، وقلت: يا أبا الحسن، قد طلبت إليك وضرعت ووضعت خدّي لك ومثلت بين يديك وقبّلت رأسك، فشفّعني، واصرفني شاكرا فهو أجمل بك. فقال:
لا والله، ما عندي إلاّ ما قلت لك. فقلت: فإنّي رسول أمير المؤمنين إليك، وهو يقول لك: لا تحدثنّ في القاسم بن عيسى حدثا، فإنّك إن قتلته، قتلت به. فقال: أمير المؤمنين يقول هذا بعد أن أطلق يدي عليه؟ قلت: نعم، أنا رسول أمير المؤمنين إليك بما قلته لك، فإن تكن في الطّاعة فاسمع وأطع، وإن كنت قد خلعت، فقل: لا طاعة، ونفضت في وجهه يدي، وقمت.
فاضطرب حتى إنّه لا يقدر أن يدعو إليّ دابتي (¬5)، وركبت وأغذذت السّير إلى
¬_________
(¬1) في الفرج بعد الشدة: بقيّة.
(¬2) ما بين معقوفين من الفرج بعد الشدة.
(¬3) الأقلف: من لم يختن. القاموس (قلف) وكانت هذه من أدلّة خصومه على زندقته!! ومن ثمّ الإطاحة برأسه. وانظر الخبر في تاريخ الطبري 9/ 110 و 113.
(¬4) في الفرج بعد الشدة: فأخذني فيما قدّم وما حدث.
(¬5) في الفرج بعد الشدة: لي بدابتي.