كتاب أصول الدعوة

أدلة نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم:
35- قلنا: إن إرسال الرسل من لوازم ربوبية الله وألوهيته، وما من رسول أرسله الله إلّا وأيده بما يدل على صدقه ونبوته، وبالنسبة لنبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- يقول: ما من أدلة تقام لإثبات نبوة نبيٍّ أو رسولٍ إلّا وكانت مثل هذه الأدلة وأكثر منها وأظهر موجودة في إثبات نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم، ولهذا من يؤمن بنبوة موسى أو عيسى أو أيِّ نبي آخر ويجحد بنبوة محمد -صلى الله عليه وسلم، فإنه يكون متناقضًا في نفسه وفي الواقع، ولا يكون إيمانه وجحوده إلّا حصلية الجهل والتعصب والتقليد بلا دليل أو برهان؛ لأنَّ ما دعاه إلى الإيمان بنبوة نبيٍّ أو رسول يوجد مثله وأكثر منه يدعوه إلى الإيمان بنبوة محمد -صلى الله عليه وسلم. إنَّ مَثَلَه مَثَلُ من يعتقد أن فلانًا عالم بالطبِّ لأنه طالب في السنة الأولى في كلية الطب، ولكن يرفض الاعتقاد بأنَّ أستاذ هذا الطالب الذي ظلَّ يمتهن الطب عشرات السنين تدريسًا لهذا الطالب وغيره، وتطبيقًا لعلم الطب، يرفض أن يعتقد فيه معرفة الطب، ومن البديهي أنَّ رفضه هذا مع اعتقاده ذاك تناقض محض لا يصدر إلّا عن جهل وتعصُّب وتقليد.
ومع هذا القول العامِّ فإنَّ من المفيد أن نقدِّم بعض الأدلة لإثبات نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم، فمن هذه الأدلة سيرته -صلى الله عليه وسلم؛ من نشأته حتى وفاته، فهذه السيرة الطيبة العطرة لا يمكن أن يكون صاحبها كذَّابًا يدَّعي على الله ما ليس فيه. وهذا الدليل يكفي لأصحاب العقول السليمة والفطر القويمة، وبه استدلت السيدة خديجة عندما أخبرها الرسول -صلى الله عليه وسلم- بما رآه من جبريل في أول بدء الوحي، فقالت له فيما قالته: أبشر، فإنَّ الله لا يخزيك أبدًا، فإنك تحمل الكلَّ وتعين الضعيف، إلى آخر ما قالته في صفاته العالية وسيرته الطيبة.
ومن أدلة نبوته هذه الشريعة العظيمة في جميع جوانبها، التي يستحيل صدروها عن رجلٍ أميٍّ عاش في ذلك المجتمع العربي المعروف، فلو لم تكن وحيًا إلهيًّا لما أمكن لأحد أن يأتي بها مهما كان نضوجه العقلي وإتساع أفق تفكيره، وهذ الدليل يدركه ويقدِّره العلماء بالقانون والاجتماع والعلوم الأخرى.
وأعظم دليل على نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم، وهو لا يزال قائمًا موجودًا بين أيدينا، هو القرآن العظيم وإعجازه الثابت، فلا بُدَّ من الكلام عن هذا الدليل على حدة.

الصفحة 27