كتاب أصول الدعوة

في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أموت دونه ... " أو كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
ثم سلكوا سبي التهديد والإيذاء، والمقاطعة الاقتصادية للنبي -صلى الله عليه وسلم- ولمن اتَّبَعه، وسبيل الافتراء على الرسول -صلى الله عليه وسلم- ورميه بما هو براء منه؛ كقولهم: إنه مجنون أو ساحر أو مفتر، وقد بلغ الأذى به وبالمسلمين أن عذَّبت قريش بعض المسلمين تعذيبًا بدنيًّا ماتوا فيه، كما هاجر بعض المسلمين إلى الحبشة مرتين فرارًا من هذ العذاب والأذى الشديد، وهذا كله يدل دلالة واضحة على الرغبة والحرص الأكيد لدى قريش على إبطال دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم.
الشرط الثالث: وهو عدم وجود مانع من الإجابة وكسر التحدي. وهذا الشرط موجود في تحدي القرآن، فمن المعلوم عند صغار المتعلمين لأخبار التاريخ الإسلامي أنَّ السلطان والقوة والنفوذ، كل ذلك كان بيد المشركين في مكة، أمَّا المسلمون ورسولهم -صلى الله عليه وسلم، فما كان لهم من ذلك شيء. فقد كانوا ضعفاء لا حول لهم ولا سلطان، حتى إنَّ بعضهم هاجروا إلى الحبشة فرارًا بدينهم كما قلنا، وحتى إنَّ المسلمين هاجروا إلى المدينة في آخر الامر، كما هاجر الرسول -صلى الله عليه وسلم، كل ذلك يدل على أنَّه لم يكن هناك مانع يمنع قريشًا من الإجابة على التحدي وكسره، وإثبات ما يزعمونه من أنَّ القرآن ليس كلام الله وأن محمدًا ليس برسول الله، لو كانوا يستطيعون ذلك.
نتيجة التحدي ودلالته:
39- وكانت نتيجة تحدي القرآن للمشركين عجزهم وسكوتهم، كما أشرنا إلى هذا من قبل، فإذا ثبت عجزهم وتوفَّرت شروط التحدي، ثبت صدق النبي -صلى الله عليه وسلم، وثبت أنه رسول الله، وأن القرآن كتاب الله، وإذا ثبت ذلك وجب على الخلق الإيمان بنبوته واتباعه، والانقياد إلى الشرع الذي جاء به من ربه، والإيمان بكل ما جاء في القرآن والسنة النبوية المطهرة، وهذا هو المطلوب.
استمرار التحدي ودلالته:
40- وتحدِّي القرآن للمخالفين ظلَّ قائمًا وموجَّهًا إلى كل مرتاب في نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم، وفي نسبة القرآن إلى الله تعالى، ولا يزال هذا التحدي قائمًا حتى الآن، وإلى أن

الصفحة 31