كتاب أصول الدعوة

الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا} 1، {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} 2 {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 3.
فهذه النصوص وأمثالها في القرآن كثير، تذكِّر المؤمنين بمقضتى إيمانهم بمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا ورسولًا، وبلوازم هذا الإيمان، فمرة تأمره بطاعته؛ لأن طاعته هي طاعة لله، وأن جزاء المطيعين جنات النعيم، وأن جزاء المخالفين عذاب النار، وطورًا تبيِّن لهم أنَّ الإيمان بمحمد -صلى الله عليه وسلم- يستلزم أخذ ما أمر به الرسول -صلى الله عليه وسلم، والانتهاء عمَّا نهى عنه، وأنَّ ما يقضي به -صلى الله عليه وسلم- واجب الطاعة لا خيار فيه للمسلم، وأنَّ الرجوع عند الاختلاف يجب أن يكون إلى الله والرسول، وأنَّ الإيمان الحقيقي بمحمد -صلى الله عليه وسلم- يستلزم الرضى بما يحكم ويقضي به ويخبر عنه، وتارة تبيِّن نصوص القرآن أنَّ المخالفة لأمر رسول الله وعصيانه سبب لعذاب الله ومقته، وأنَّ على المخالفين له أن يحذروا الفتنة والعذاب الأليم.
44- والواقع أنَّ ما تذكره هذه النصوص هو النتيجة المنطقية للإيمان بمحمد -صلى الله عليه وسلم، والرضى به رسولًا؛ لأن من التناقض ومن غير المقبول في العقل السليم أن يؤمن الإنسان بمحمد -صلى الله عليه وسلم، ثم ينازعه في بعض ما جاء به، أو لا يرضى بما جاء به، أو ينصِّبَ نفسه معقبًا لبعض ما جاء به، أو يتمرَّد على بعض ما جاء به، إلى غير ذلك مما لا يتفق أبدًا ومقتضى الإيمان به. إنَّ الإنسان إذا آمن بأن فلانًا بارع في الطب ومبرَّز فيه، فإنه يتقبل منه ما يقوله في شئون الطب وما يخبره به عن موضع وسبل علاجه، ويتبع توجيهاته في الأكل والشرب، وفيما يأخذ ويترك، ولا يسوغ لنفسه معارضته أو مناقشته، فإذا هذا المسلك سليمًا ومعقولًا بالنسبة للطبيب مع احتمال خطئه، فما
__________
1 سورة الأحزاب، الآية: 36.
2 سورة النساء، الآيات: 59-65.
3 سورة النور، الآية: 63.

الصفحة 34