كتاب أصول الدعوة

يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} ، وقوله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} ، وهذا المسلك هو قطع الجدل مسلك سديد؛ لأنَّ بعض الناس لا ينفع معهم الجدل؛ لأنهم لا يريدون من جدلهم الوصول إلى الحق، وإنما يريدون المكابرة والعناد والجحود، قال تعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} .
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
744- والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غالبًا ما يكون بالقول، كما أنَّه قد يكون بدعوة غير المسلم إلى الإسلام، أو بدعوة المسلم العاصي إلى طاعة الله -سبحانه وتعالى، والإقلاع عن مخالفة شرعه، كما أنَّ هذا الأمر والنهي بأنواعه قد يكون موجهًا إلى شخص بعينه، أو إلى عِدَّة أشخاص، أو إلى طائفة من الناس، أو بشكل دعوة عامَّة إلى الناس لاتباع ما جاء به الإسلام، وترك ما يخاله. والقواعد الجامعة في هذا الباب والتي يجب أن يفقهها الداعي هي ما يلي:
قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
745- القاعدة الأولى: لا بُدَّ من العلم بالمعروف الذي يدعو إليه، وبالمنكر الذي ينهى عنه. جاء عن بعض السلف: "لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلّا من كان فقيهًا فيما يأمر به فقيهًا فيما ينهى عنه"، وهذا واضح، فكما أنَّ من يعالج المريض يحتاج إلى فهمٍ بالمرض والدواء، أي: يكون طبيبًا جيدًا، فكذلك الداعي، ويستفاد ذلك من قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} ، والبصيرة تشمل ما قلناه.
746- القاعدة الثانية: الرفق، والأصل فيه الكتاب والسنة، قال تعالى مخاطبًا موسى وهارون -عليهما السلام: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى، فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} 1، والقول الليَّن الذي أشارت إليه هذه الآية الكريمة ذكره الله تعالى في سورة النازعات، قال تعالى: {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى، وَأَهْدِيَكَ إِلَى
__________
1 سورة طه، الآية: 24.

الصفحة 479