كتاب أصول الدعوة

77- ب- تعليل الأحكام بجلب المصلحة ودرء المفسدة لإعلام البشر بأنَّ تحقيق المصالح هو مقصود الإسلام، وأنَّ الأحكام ما شرِّعت إلّا لهذا الغرض، قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} ، فالقصاص شرِّع لتحقيق هذه المصلحة وهي الحياة للناس، أي: الأمن والاستقرار والاطمئنان وحقن الدماء بزجر من تسوّل له نفسه الاعتداء على أرواح الناس، وقال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} ، فتحريم الخمر يمنع عن الناس مفسدة الصدِّ عن ذكر الله وعن الصلاة، ودرء المفسدة لا شَكَّ في أنه وجه من وجوه المصلحة؛ لأنَّ المصلحة لها وجه إيجابي وهو جلب نفع لم يكن، ووجه سلبيّ وهو دفع ضرر أو مفسدة، وهكذا بقية الأحكام بلا استثناء، لا يخرج منها أيّ حكم كان، سواء أكان من أحكام الاعتقادات أو العبادات أو غير ذلك، نعم، قد يجهل البعض تفاصيل المصلحة في حكم من الأحكام، ولكنَّ هذا الجهل ليس بحجة على انتفاء المصلحة، فإنَّ الإنسان قد يجهل تفاصيل منفعة دواء، ولكنَّ جهله به لا يمنع من تحقيق المصلحة فيه، فإذا كان هذا واقعًا فيما يضعه إنسان، فكيف لا يكون فيما يضعه خالق الإنسان؟ هذه واحدة.
والثاني: إنَّ المصلحة المقصودة في التشريع الإسلامي لا تقتصر على مصالح الدنيا، وإنما تتجاوزها إلى مصالح الآخرة، أي: إلى إعداد الإنسان للظفر بالسعادة الدائمة بجوار الربِّ الكريم الرحيم.
87- جـ- تشريع الرخَّص عند وجود المشقات في تطبيق الأحكام إذا كانت هذه المشقَّات فوق طاقة البشر المعتادة، من ذلك: إباحة النطق بكلمة الكفر عند الإكراه عليها بالتهديد بالقتل ونحوه، وإباحة المحرَّم عند الضرورة، مثل أكل الميتة ولحم الخنزير عند التعرُّض للهلاك جوعًا، وإباحة الفطر في رمضان للمريض والمسافر، ولا شَكّ أنَّ دفع المشقة ضرب من ضروب رعاية المصلحة ودرء المفسدة عن الناس.
79- د- عُرِفَ بالاستقراء والتأمُّل أنَّ مصالح العباد تتعلق بأمور ضرورية أو حاجية أو تحسينية، فالأولى هي التي لا قيام لحياة الناس بدونها، وإذا فاتت حَلَّ الفساد وعمَّت الفوضى واختلَّ نظام الحياة، وهذه الضروريات هي حفظ الدين والنفس

الصفحة 59