كتاب قرينة السياق ودورها في التقعيد النحوي والتوجيه الإعرابي في كتاب سيبويه

وكانت البصرة «مرفأ تجاريًّا للعراق على الخليج العربي؛ فنزلتها عناصر أجنبيَّة كثيرة، ساعدت على اتصالها بالثقافات الأجنبية، وبفلسفة اليونان، وما وضعه أرسططاليس من المنطق وحدوده وأقيسته ... ؛ وعلى ذلك كان طبيعِيًّا أَنْ تختلط الدراسات اللُّغَوِيَّة بمباحث الفلسفة، وأَنْ يهتمَّ النَّحْوِيّون بالجانب الفلسفي المنطقي في وضع قواعدهم») (¬1).
ولأمر ما «سُمِّيَ نحاةُ البصرة بأهل المنطق، ولهذه التسمية ما لها من دلالة») (¬2). ويقرِّرُ الأستاذ أحمد أمين أَنَّ العراقيين ــ بوجه عام ـــ «بزُّوا الحجازيِّين في الرأي وهو ما يسمى القياس») (¬3)، وأنَّ القياس قد لعب «دورا كبيرا في العصر العباسيّ، وشغل حيزا كبير من العلوم؛ فالقياس في أصول الفقه، وفي فقه اللُّغَة وفي النحو وفي المنطق»، كما توسعوا في «التعليل العقلي والتوسع في الاستنباط، والدِّقَّة في استخراج وجوه الشبه ووجوه الفروق») (¬4). وقد ظهر تأثيرٌ واضحٌ وجليٌّ لبيئة البصرة على سيبويه، تأثيرٌ له أماراته الجليَّة وآياته الظاهرة وشواهده الصادقة لمن تأمَّلَ ودقَّقَ في الكتاب.
3 ــــ بغداد، وكانت زيارته لها زيارة عابرة؛ إذ وفدها «يطلب الشهرة في دار الخلافة؛ فناظره الكسائي مؤدِّب الأمين بن الرشيد في مسألة الزنبور وغلبه الكسائي؛ فعاد إلى وطنه فارس ومات
هناك» (¬5).

o شيوخه:
لا تضم قائمة أسماء شيوخ سيبويه كثيرا من الأسماء، وتحدثنا كتب التراجم أَنَّ منهم:
«حَمَّادَ بنَ سَلَمَة، يُونُس بن حبيب، أبا الخطاب الأخفش الكبير، عيسى بن عمر الثَّقَفِي») (¬6).
¬_________
(¬1) السابق، ص 125 ـــ 126
(¬2) د. إبراهيم بيومي مدكور: منطق أرسطو والنحو العربي، مجلة مجمع اللُّغَة العَرَبِيَّة، ) 1953 م (، ص 341
(¬3) ضحى الإسلام نشأة العلوم في العصر العباسي الأول: مكتبة الإسرة، القاهرة، ) 1995 م (، ص 152
(¬4) السابق، 153، 161
(¬5) كارل بروكلمان: تاريخ الأدب العربي، 2/ 134 ـــ 135، وإنباه الرواة على أنباه النُّحَاة: 2/ 353
(¬6) الأَخْفَش الأَكْبَر هو: ((عبد الحميد بن عبد المجيد مولى قيس ابن ثعلبة، أبو الخطاب: من كبار العلماء بالعَرَبِيَّة لقي الأعراب وأخذ عنهم. وهو أول من فسر الشعر تحت كل بيت، وما كان الناس يعرفون ذلك قبله، وإِنَّمَا كانوا إذا فرغوا من القصيدة فسروها، توفي 177 هـ = 793 م)). الأعلام، 3/ 288
عِيسى بن عُمَر، توفي 149 هـ = 766 م، وهو ((عيسى بن عمر الثقفي بالولاء، أبو سليمان: من أئمة اللُّغَة. وهو شيخ الخليل وسيبويه وابن العلاء، وأول من هذب النحو ورتبه. وعلى طريقته مشى سيبويه وأشباهه. وهو من = أهل البصرة ... وكان صاحب تقعر في كلامه، مكثرا من استعمال الغريب. له نحو سبعين مصنفا احترق أكثرها، منها: الجامع والإكمال في النحو)). الأعلام، 5/ 106

الصفحة 20