كتاب قرينة السياق ودورها في التقعيد النحوي والتوجيه الإعرابي في كتاب سيبويه
ويبدو أَنَّ هذا التثبُّت والتوثيق فيما ينقله أو يعرضه نابع من تَأَثُّره بأهل الحديث ومنهجهم، فقد كان سيبويه سُنِّيًا على السُّنَّةِ، و «سيبويه كان في أول أمره يطلب الحديث» (¬1)، و «يطلب الآثار والفقه» (¬2)، وكان «يصحب الفقهاء» (¬3). بل إِنَّ له رواية للحديث، قال السيوطي: «أسندنا حديثه في الطبقات الكبرى، وتكرر في جمع الجوامع» (¬4).
وله مناظراته ومراجعاته العلميَّة مع أهل هذا الفن (¬5).
إِنَّ وقوفنا على هذا الجانب عند سيبويه ومدى تَثَبُّتِهِ فيما ينقل يجعلنا نطمئن أَنَّهُ كان يعتمد على اللُّغَة كما قيلت عن أشخاص محددين في سياقات محددة، وهو بذلك يفيدنا في الدراسة التي نحن بصددها.
ب الاعتماد على المشهور:
من المعلومات القيِّمة التي ذكرها الإمام السيوطي معلومة أشار فيها إلى عنصر من عناصر منهج سيبويه، وتُلَخِّصُ جزءًا كبيرا من طريقته في تأليف كتابه، يقول: « ... ؛ ولذلك لم يُودِع) سيبويه (في أبواب الكتاب إلا المشهور الذي لا يُشَكُّ في صحته» (¬6).
لقد كان سيبويه يجمع نصوص اللُّغَة ويدرسها ويصنِّفها، ثُمَّ يصدر فيها أحكاما، يدرس
«أساليب الكلام في الأمثلة والنصوص؛ ليكشف عن الرأي فيها صحة وخطأ، أو حسنا وقبحا» (¬7)
إن اعتماد سيبويه على المشهور في كتابه يتفق مع ما تُقِرُّهُ المدارس اللُّغَوِيَّة الحديثة؛ فما كثر شيوعه وزادت نسبة وروده يُقاس عليه، وتؤسس عليه القاعدة، ويستنبط منها الصحيح المقبول
«وتلك هي الطريقة العلميَّة الحديثة في تقعيد القواعد، واستخراج مسائل اللُّغَة» (¬8).
¬_________
(¬1) ياقوت الحموي: معجم الأدباء، 3/ 1199
(¬2) القفطي: إنباه الرواة على أنباه النُّحَاة، 2/ 354
(¬3) السابق: 2/ 355
(¬4) السيوطي: بغية الوعاة، 2/ 230
(¬5) يُنْظَر قصة مراجعته لأحد الأحاديث مع الإمام شعبة بن الحجاج. القفطي: إنباه الرواة على أنباه النُّحَاة، 2/ 349 ــ 350، وينظر واقعة تشهد بحفظه وضبطه وتصويبه للخطأعند ياقوت الحموي: معجم الأدباء، 5/ 2124
(¬6) المزهر في علوم اللُّغَة وأنواعها، 1/ 202
(¬7) د. علي النجدي ناصف: سيبويه إمام النُّحَاة، ص 163
(¬8) د. إبراهيم أنيس: من أسرار اللُّغَة، مكتبة الأنجلو المصريَّة، القاهرة، ط 7، (1994 م)، ص 11