كتاب قرينة السياق ودورها في التقعيد النحوي والتوجيه الإعرابي في كتاب سيبويه
فالأولى ما عهد مدلول مصحوبها بحضور حسي؛ بأن تقدم ذكره لفظا فأعيد مصحوبا بأل نحو: {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} المزمل: 15 - 16، أو كان مشاهدا، كقولك: القرطاس لمن سدَّد سهما أو، علمي بأن لم يتقدم له ذكر ولم يكن مشاهدا حال الخطاب نحو {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} التوبة: 40») (¬1). فالإمام السيوطي يستعين هنا بالسِّياق لكي يحدد دلالة «أل».
- وإمام البلاغيين عبد القاهر الجرجاني إمام اللُّغَة في عصره، والنَّحْوِيّ المفتن في العربِيَّة ونحوها الذي تُشَدُّ إليه الرحال طلبا لِلُّغَة والنحو، والذي برع في مجال النحو التقليدي ومجال التفسير ـــ يرى أَنَّ «التحليل العلمي المنصف للبناء اللغويّ لا يتم إلا من خلال مسرح الحدث الذي دار عليه» (¬2). وأنه يجب مراعاة أحوال المخلوقين، وأنَّ «التأويلات النحوِيَّة المنبثقة عن التقديرات العقلِيَّة فقط تغفل طبيعة اللُّغَة، وتسيئ إلى فهمها إساءة شديدة» (¬3).
وينبِّه النُّحَاة إلى أَنَّ «بعض التأويلات النحوِيَّة التي تعتمد على الجانب العقلي المحض دون تدخل في اعتبار واقع اللُّغَة وحال المخاطبين قد تقود إلى عظيم وهو الكفر» (¬4).
- ومن أئمة اللُّغَة والنحو والبلاغة والتفسير نجد الإمام الزَّمَخْشَرِيّ يعتبر السِّياق ويشير إليه إشارات صريحة في تفسيره؛ فيقول مثلا: «فإنْ قلت: هل يصحُّ: ربح عبدك وخسرت
¬_________
(¬1) السيوطي: همع الهوامع، ت: عبد الحميد هنداوي، المكتبة التوفيقية، القاهرة، ط 1، ) بدون تاريخ
للطبعة (، ا/258
(¬2) (من قضايا اللُّغَة وجوب تحليل البناء اللغويّ من خلال مسرح الحدث الذي دار عليه)): د. بدراوي زهران، مجلة مجمع اللُّغَة ع 50، ص 104
(¬3) دلائل الإعجاز، ت: محمود محمد شاكر، مطبعة المدني، القاهرة، ط 3، ) 1992 م (، ص 240 ــ 241 وص 416
(¬4) (من قضايا اللُّغَة وجوب تحليل البناء اللغويّ من خلال مسرح الحدث الذي دار عليه)): د. بدراوي زهران، مجلة مجمع اللُّغَة ع 50، ص 108، يقول عبد القاهر على سبيل المثال، ص 379، عند تحليله لقوله تعالى {وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ} [النساء: 171] D: (( ... وذلك أنَّهم قد ذَهبوا في رفْع ((ثلاثةٍ)) إلى أنها خبرُ مبتدأ محذوفٍ، وقالوا: إنَّ التقديرَ: ((ولا تقولوا آلهتُنا ثلاثةٌ))؛ وليس ذلك بمستقيمٍ. وذلك أنَّا إذا قلْنا: ((ولا تقولوا آلهتُنا ثلاثةٌ))، كان ذلك ـــــ والعياذُ بالله ــــــ شبيه الإثباتِ أنَّ ههنا آلهةً، من حيثُ إنَّكَ إذا نفيْتَ، فَإِنَّما تَنفي المعنى المستفادَ من الخَبر عن المبتدأ، ولا تنفي معنى المبتدأ، ... [ونكون] قد نفَيْنا أَنْ تكونَ عِدَّةُ الآلهة ثلاثةً، ولم تنف أَنْ تكونَ آلهةً)).