كتاب القوافي الندية في السيرة المحمدية

الصِّفات والأخلاق (*)
قَدْ بَعْثَ اللهُ نَبِيًّا شَاهِدًا ... يَدْعُو إِلَى الشَّرِيعَةِ السَّمْحَاءِ
وَظَاهِرُ الْجَمَالِ ذُو إِشْرَاقَةٍ ... كَالنَّجْمِ فِي الْمَنَازِلِ الْعَلْيَاءِ
غَيْرُ مُطَهَّمٍ وَلَا مُكَلْثَمٍ ... بَلْ صَاحِبُ الْمَكَارِمِ الْحَسْنَاءِ
وَأَكْحَلُ الْعَيْنَيْنِ زَادَ حُسْنُهُ ... يُضِيءُ نُورُهُ دُجَى الظَّلْمَاءِ
كَلَامُهُ فَصْلٌ نَعَمْ وَمُحْكَمٌ ... وَصَادِقٌ فِي الْقَوْلِ وَالْإِنْبَاءِ
لَيْسَ بِعَابِسٍ وَلَا مُفَنَّدٍ ... يَبْعُدُ عَنْ مَجَالِسِ الْإِغْوَاءِ
قَدْ كَانَ رَبْعَةً نَعَمْ فِي طُولِهِ ... جَمَالُهُ نَضَارَةُ الْأَحْيَاء
---------------
(*) ... ذكرت أمُّ مَعْبَد الخُزَاعِيَّة عَنْ رَسُولِ الله (- صلى الله عليه وسلم -) وهي تَصِفُهُ لِزَوْجِهَا قالت: رَأَيْتُ رَجُلاً ظَاهِرَ الوَضَاءَةِ أَبْلَجَ الوَجهِ، حَسَنَ الخَلْقِ لَمْ تَعِبهُ ثُجْلَة، ولَمْ تُزرِيهِ صَعْلَة، وَسِيمٌ، قَسِيمٌ، فِي عَينِهِ دَعَجٌ، وفِي أَشفَارِهِ وَطَفٌ، وفِي صَوْتِه صَهَلٌ، وفِي عُنقِه سَطَعٌ، وفِي لِحيَتِهِ كَثَاثَةٌ، أَزَجٌّ أَقرَنُ، إنْ صمَتَ فَعَلَيه الوَقَارُ، وإنْ تَكَلَّم سماه وعَلَاهُ البَهَاءُ، أَجمَلُ النَّاسِ وأَبهَاهُ مِن بَعيدٍ، وأَحسَنُه وأجملُه مِن قَريبٍ، حُلوُ الْمَنطِقِ، فَصلاً لا نَزرَ ولا هَذرَ، كَأنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظمٍ، يَتَحَدَّرنَ، رَبعَةٌ، لا تَشْنؤهُ مِن طولٍ، ولا تَقتَحِمُهُ عَينٌ مِن قِصَرٍ، غُصنٌ بينَ غُصنَين، فَهُوَ أَنْضَرُ الثَّلاثَةِ مَنْظَرًا، وأحْسَنُهُم قَدْرًا، لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفّونَ بِهِ، إنْ قَالَ سَمِعُوا لِقَولِه، وإنْ أمَرَ تَبَادَرُوا إلَى أمْرِه، مَحفُودٌ، مَحشُودٌ، لا عَابِسٌ ولا مُقتَصِدٌ. الحديث أخرجه الطبراني فِي الكبير (٣٦٠٥)، و الحاكم فِي المستدرك (٣/ ٩ - ١٠)، وأبو نعيم فِي دلائل النُّبوَّة (٢٨٢ - ٢٨٧).
الوَضَاءَةُ: الجَمَالُ. أَبْلَجُ الْوَجَهِ: مُشْرِقُهُ وَمُضِيئُهُ القَسِيمُ: الحَسَنُ الجَمِيلُ لم تعبه ثُجْلَة أو صَعْلَة، والثُّجْلَة معناها كِبَرُ البطن أو الرأس، والصَّعْلَة معناها صِغَرُ الرأس. وفي أشْفَارِهِ وَطَفٌ: فِي شَعْرِ أَجْفَانِهِ طُول. أَحْوَر: شديد بياض العَيْنَيْنِ فِي شدة سوادهما. أَزَجُّ: مُتَقَوِّسُ الحَاجِب. أَقْرَن: ملتقى الحَاجِبَيْنِ بين العينين. ليس بِعَابِسٍ ولَا مُفَنَّد: غَيْرُ مُتَجَهِّمٍ ويَخْلُو كَلَامُهُ مِنَ الخُرَافَات. وكان رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ - الرَّبْعَة: بين الطُّولِ والقِصَر.
قال عليُّ بن أبي طالب وهو ينعتُ رَسُولَ الله (- صلى الله عليه وسلم -) قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ (- صلى الله عليه وسلم -) «بِالطَّوِيلِ، وَلا بِالْقَصِيرِ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، ضَخْمُ الرَّأْسِ، ضَخْمُ الْكَرَادِيسِ، طَوِيلُ الْمَسْرُبَةِ، إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا، كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ»، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ، وَلا بَعْدَهُ مِثْلَهُ، (- صلى الله عليه وسلم -) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ، بِمَعْنَاهُ (كتاب الشَّمائل المحمَّديَّة للتِّرمذي رحمه الله).

الصفحة 117