كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام

وأعلم أن القول بالموجَب هو لفتح الجيم على صيغة اسم المفعول، لأن المعترض به يسلم ما أوجبه دليل خصمه، لكن يقول: إنه لم يستلزم محل النزاع.
وإلى هذه الأقسام الأربعة التي بيَّنا أشار في "مراقي السعود" بقوله:
والقول بالموجَب قدحه جلا ... وهو تسليم الدليل مُسْجَلا
من مانع أن الدليل استلزما ... لما من الصور فيه اختصما
يجيء في النفي وفي الثبوت ... ولشمول اللفظ والسكوت
عمَّا من المقدمات قد خلا ... من شهرة لخوفه أن تحظلا
وأما القول بالموجب عند البيانيين فهو ضربان:
أحدهما: أن تقع صفة في كلام الغير كناية عن شيء أثبت له حكم، فيثبت المخاطب تلك الصفة لغير ذلك الشيء المثبت له حكم من غير تعرض لثبوت ذلك الحكم له ولا لنفيه عنه، نحو قوله تعالى: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون/ ٨]، فالأعز صفة وقعت في كلام المنافقين كناية عن فريقهم، والأذل كناية عن المؤمنين، وقد أثبت المنافقون لفريقهم حكمًا وهو إخراجهم المؤمنين من المدينة، فأثبت اللَّه تعالى في الرد عليهم صفة العزة لغير فريقهم وهو اللَّه تعالى ورسوله والمؤمنون، ولم يتعرض لثبوت ذلك الحكم الذي هو الإخراج للموصوفين بالعزة أعني اللَّه ورسوله والمؤمنين، ولا لنفيه عنهم.

الصفحة 146