كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام

وكأن يقول الحنفي: لا يجوز للرجل أن يغسل زوجته لحرمة نظره إليها كالأجنبية. فيعترض بأنه مخالف للإجماع السكوتي في تغسيل علي فاطمة رضي اللَّه عنهما.
وأول من قاس القياس الباطل بفساد الاعتبار الذي هو مخالفة النص هو إبليس اللعين، حيث قاس نفسه على عنصره الذي هو النار، وآدم عليه السلام على عنصره الذي هو الطين، فقال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف/ ١٢]، فقاس هذا القياس الباطل مع وجود النص الصريح وهو قوله تعالى: {اسْجُدُواْ لآدَمَ} [الأعراف/ ١١]، مع أن الطين طبيعته الجمع والإصلاح والرزانة، تودعه النواة فيؤديكها نخلة، والحبة فيؤديكها سنبلة، والنار بخلاف ذلك طبيعتها الخفة والطيش والتفريق والإفساد، وانظر بين الرماد والبساتين المزهرة المتحلية بأنواع الزينة، فأصل الرماد النار، وأصل البساتين الطين، ولو سلمنا تسليمًا جدليًّا أن النار خير من الطين، فشرف الأصل لا يقتضي شرف الفرع، لجواز دناءة الفرع وخساسته مع شرف الأصل، كما قال الشاعر:
إذا افتخرْتَ بآباء لهم شرف ... قلنا صدقت ولكن بئسما ولدوا
وكما قال الآخر:
وما ينفع الأصل من هاشم ... إذا كانت النفس من باهلة
وباهلة هم الذين يقول فيهم الشاعر:
ولو قيل للكلب يا باهلي ... عوى الكلب من لؤم هذا النسب

الصفحة 156