كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام

المسلكي، ويعسر الفرق.
وحاول صاحب "مراقي السعود" في شرحه له المسمى "نشر البنود" حَلَّ هذا الإشكال بما نصه: وبحث في "الآيات البينات" بأنه قد يشكل الاحتراز المذكور بأن ما ذكر من الوصف المستبقى في السبر والمدار في الدوران، وغيرهما من الأوصاف، قد يشتمل على "المناسبة"، ويحصل من ترتيب الحكم عليه ما ذُكِر. وغاية الأمر أن تلك المسالك لم يعتبر فيها "المناسبة" في دلالتها على العلية، وذلك لا ينافي حصول المناسبة لتلك الأوصاف، اللهم إلا أن يريدوا أن الأوصاف المثبتة عليتها بتلك المسالك لا يحصل من ترتيب الحكم عليها ما ذُكِر، فلو اشتملت على مناسبة لكان حصول ما ذكر من ترتيب الحكم عليه باعتبار مسلك "المناسبة"، لا تلك المسالك الأخرى. انتهى فانظره، واللَّه تعالى أعلم.
وأما "تحقيق المناط" فهو إثبات العلة المتفق عليها في الفرع، فالمختلفون في "تحقيق المناط" متفقون في علة الحكم.
وإيضاحه بمثاله، اختلافهم في النَّباش الذي ينبش القبور ويأخذ الأكفان، هل هو سارقٌ تقطع يده، أم لا؟ فبعضهم يقول: المناط -أي العلة التي هي السرقة- موجودةٌ محققة في النَّباش؛ لأخذه مالًا خفيةً من حرز مثله، فيقطع، والإمام أبو حنيفة رحمه اللَّه يقول: لا يقطع؛ لأنه غير سارق، فلا يسلِّم أن المناط الذي هو السرقة موجود في النباش. والكل متفق على أن السارق تقطع يده، وإنما اختلفوا في تحقيق السرقة.

الصفحة 168