كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام

يكتفون بمطلق المناسبة، وهذه هي المصلحة المرسلة بعينها، فهي حينئذٍ في جميع المذاهب. ثم إن الشافعية يقولون: إنهم أبعد الناس عنها، وهم قد أخذوا بأوفر نصيب منها، حتى تجاوزوا فيها. . . " إلى آخر ما ذكره عن إمام الحرمين والماوردي من التوسع في الأخذ بالمصالح المرسلة، توسعًا لا يرى مثله للمالكية الذين هم أهل العمل بها، وما نسبه إمام الحرمين رحمه اللَّه إلى مالك رحمه اللَّه من جواز قتل ثلث الأمة لاستصلاح ثلثيها قال القرافي: قد أنكره المالكية، ولا يوجد ذلك في كتبهم، إنما يوجد في كتب المخالفين لهم.
قال مقيد هذه الرحلة عفا اللَّه عنه: ما ذكره القرافي رحمه اللَّه من أن جواز قتل ثلث الأمة لإصلاح الثلثين لم يقل به أحدٌ من المالكية، ولم يوجد في كتبهم صحيحٌ كما قال القرافي، وما ذكره عبد الباقي الزرقاني المالكي في "شرحه لمختصر خليل بن إسحاق المالكي رحمه اللَّه" في باب الإجارة من جواز قتل ثلث المسلمين لإصلاح باقيهم رده محشيه المحقق البناني بما حاصله: أنه لم يُرَ لمالكيٍّ وإنما هو منسوب لغيرهم، وأنه يحرم سطره في الكتب، وشنَّعه أشد تشنيع. وسلَّم المحقق الرهوني كلام البناني.
وكذلك ما ذكره إمام الحرمين من أن مالكًا رحمه اللَّه يبيح في العقوبات قطع الأعضاء ليس بصحيح؛ لأن هذا كما قال الأبياري مما دل الدليل على إهداره، فإن الشرع إنما أباح إتلاف الأعضاء في القصاص دون التعزير، وبالجملة فقد تضمن الأبياري رحمه اللَّه بالرد على ما نسبه إمام الحرمين رحمه اللَّه في هذا الباب لمالك رحمه اللَّه.

الصفحة 188