كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام

معناه، إذ الفعل الصناعي إذا حللته انحل إلى مصدر وزمن، فالمصدر جزء مدلول الفعل وجزؤه الآخر الزمن، وكملابسة الفعل لزمانه أو مكانه لوقوعه دنيهما، أو ملابسته لسببه لحصوله به. وسنمثل لجميع هذه الملابسات.
اعلم أولًا أن الفعل المبني للفاعل أو المفعول إذا أسند إلى ما هو مبني له منهما فهو حقيقة عقلي، كقولك: "قام زيد" في البناء للفاعل، و"جنَّ عمرو" في البناء للمفعول، وإنما يكون مجازًا إذا أسند الفعل إلى غير الفاعل وهو مبني للفاعل، أو أسند إلى غير المفعول وهو مبني للمفعول لجامع بينهما وهو الملابسة المذكورة.
فمثال إسناده لغير الفاعل مع بنائه للفاعل قوله تعالى: {فِى عِيشَةِ رَاضِيَةٍ (٢١)} [الحاقة/ ٢١]، فالفعل وهو الرضى مسندٌ في الحقيقة لغير العيشة؛ لأن الراضي هو صاحب العيشة لا هي، فالعيشة هي المفعول في الأصل؛ إذ الأصل: رضي المرء عيشته، فأسند الفعل إلى المفعول من غير أن يبنى له، فصار "رضيت العيشة" وهو معنى كونه مجازًا، ثم سبك من الفعل المبني للفاعل اسم فاعل، وأسند إلى ضمير العيشة، فقيل: "عيشة راضية" أي هي، فآل الأمر إلى إسناد الفعل إلى مفعوله للملابسة بينهما وهي وقوعه عليه، مع أن هذا الفعل الذي أسند إلى المفعول مبني للفاعل.
ومثال إسناده لغير المفعول مع بنائه للمفعول مجازًا عقليًا قولهم: "سيل مُفْعَم" بصيغة اسم المفعول، فالفعل هو الإفعام، وهو في الحقيقة مسند إلى السيل، لأنه هو المالئ الوادي، والوادي في

الصفحة 192