كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام

الحقيقة مفعولٌ؛ لأنه مملوء بالسيل، فأسند الفعل الذي هو الإفعام إلى المفعول الذي هو الوادي، فصار "أفعم الوادي السيل" بقلب المفعول فاعلًا، فحذف الفاعل المجازي الذي هو الوادي، وناب عن المفعول المجازي الذي هو الفاعل في الأصل وهو السيل، فصار "أُفْعِمَ السيل" ببناء الفعل للمفعول، وهو كونه مجازًا نظرًا إلى أن السيل في الأصل هو الفاعل لا المفعول، ثم سبك منه اسم مفعول فقيل: "سيل مُفْعَم" بفتح العين، فأسند اسم المفعول إلى ضمير المفعول الذي هو في الأصل فاعل، أي: "سيل مفعم هو".
ومثال إسناد الفعل لمصدره مجازًا عقليًّا قول أبي فراس الحمداني:
سيذكرني قومي إذا جَدَّ جدُّهم ... وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
إذ الأصل: سيذكرني قومي إذا جدوا جدًّا. فحذف الفاعل الذي هو ضمير القوم، وأسند الفعل إلى المصدر الذي هو جدهم للملابسة بين الفعل ومصدره؛ لأنه جزء من مدلوله كما تقدم.
ومن هذا القبيل قوله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ} [الأعراف/ ٢٠٠، فصلت/ ٣٦].
ومثال إسناد الفعل إلى ظرفه الزماني مجازًا عقليًا قول الشاعر:
لقد لُمْتِنَا يا أم غيلان في السُّرى ... ونِمْتِ وما ليل المحبِّ بنائم
إذ الأصل: وما المحب بنائم في ليله. فالفعل النوم والمسند إليه في الحقيقة المحب، والليل زمان الفعل الذي هو النوم، فحذف

الصفحة 193