كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام

المذكور مجازًا لأنه لم يرد به فائدة الخبر ولا لازمها، كما هو ظاهر.
ومن هذا القبيل قول الشاعر:
آلة العيش صحة وشباب ... فإذا ولَّيا عن العمر ولَّى
فالمدلول المركب خبري، ومقصوده منه التحسر والتأسف على تولي شبابه وصحته.
ومن هذا المعنى قوله تعالى عن امرأة عمران أنها قالت: {رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى} [آل عمران/ ٣٦] إذ لم ترد بهذا الكلام فائدة الخبر ولا لازمها، لأن اللَّه أعلم بكل شيء، كما قال: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ}؛ فأطلقت الصيغة خبرية وأرادت بها إنشاء التحسر والتأسف على أنها لم تلد ذكرًا يصلح لخدمة المساجد، وهو واضح مما قدمنا.
وأما القسم الثالث من أقسام المجاز: وهو المجاز المفرد، فَيُحَدُّ بأنه الكلمة المستعملة في غير ما وضعت له في اصطلاح به التخاطب، لعلاقة جامعة بينهما، مع قرينة صارفة عن قصد المعنى الأصلي، كقولك: "رأيت أسدًا يرمي" فلفظة الأسد موضوعة للحيوان المفترس، وقد استعملت في غيره وهو الرجل الشجاع لعلاقة جامعة بينهما وهي الشجاعة، مع قرينة صارفة عن قصد المعنى الأصلي الذي هو الحيوان المفترس وهي لفظة "يرمي"؛ لأن الحيوان المفترس لا يرمي، والذي يرمي هو الرجل الشجاع.
وإنما قلنا في حد المجاز المفرد: "في اصطلاح به التخاطب"، لأن اللفظ الواحد يكون مجازًا باعتبار اصطلاح، وحقيقة باعتبار

الصفحة 199