كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام

والتصريحية نسبة إلى التصريح الذي هو التعبير بالكلام الواضح الذي لا يقبل التأويل، وسميت الاستعارة تصريحية للتصريح فيها بلفظ المشبه به، والمكنية من الكناية التي هي ضد التصريح، وهى في الاصطلاح استعمال اللفظ في لازمه مع جواز قصد المعنى الأصلي، ومعنى الاستعارة بالكناية عندهم: أن المشبه به المحذوف استعير للمشبه المذكور من غير تصريح به، بل بالكناية عنه بلازمه والدلالة عليه به، ويظهر معنى الكناية والتصريح لغةً من قول الشاعر:
وإني لأكني عن قَذُورٍ بغيرها ... وأعرب أحيانًا بها فأصارح
فمثال الاستعارة التصريحية قولك: "رأيت أسدًا يرمي" تعني رجلًا شجاعًا، فالأصل تشبيه الرجل الشجاع بالأسد في الشجاعة، حُذِفَ المشبه الذي هو الرجل الشجاع، واستعير له الأسد الذي هو المشبه به، وصرِّح بلفظه، فصارت تصريحية، وقولنا: "يرمي" هو قرينة الاستعارة.
ومثال الاستعارة بالكناية قول أبي ذؤيب الهذلي:
وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع
فإنه أراد تشبيه المنية بالأسد، والجامع بينهما الاغتيال والإهلاك، فذكر المشبه الذي هو المنية، وحذف المشبه به الذي هو الأسد، ورمز له بلازمه الذي هو الأظفار، فرمزه للأسد بالأظفار هو معنى كونها كناية؛ لأن الأسد لم يصرح به، وإنما ذكر بطريق الكناية عنه، والاستدلال عليه بلازمه، وإسناد الأظفار إلى المنية هو الاستعارة

الصفحة 208