كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام

والذي يصح قسيمًا للتخييلية إنما هو الاستعارة التحقيقية؛ لأنك تقول: المستعار له إما أن يكون له وجود في العقل أو الخارج، أو لا وجود له في واحد منهما. فإن كان له وجودٌ في العقل أو الخارج فهي التحقيقية، وإلا فالتخييلية. وهذا التقسيم ذكره السكاكي، وهو الذي يقبله الذهن السليم، فجعل التخييلية قسيمًا للمصرحة والمكنية لا يصح إلا بالنظر لملازمتها المكنية عند الأقدمين.
واعلم أن ما ذكرنا من أن الاستعارة بالكناية هي لفظ المشبه به المحذوف المرموز له بلازمه هو مذهب جمهور البيانيين وسلفهم، ونص عليه الزمخشري في "الكشاف" في تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} [الرعد/ ٢٧]، وهذا هو المعول عليه عندهم في المكنية. وفيها أربعة مذاهب غير هذا المذهب الصحيح، فالمذاهب فيها خمسة بالاستقراء، والمعتمد ممها هو ما بيَّنا، وسنبيِّن الأربعة الباقية، وهي: مذهب السكاكي، ومذهب الخطيب، ومذهب العصامي، ومذهب صاحب "الكشف".
أما مذهب السكاكي في المكنية فهو أنها لفظ المشبه المستعمل في المشبه به بادعاء أنه هو بعينه، أي من جنس حقيقته، وإنكار أنه شيء آخر، مستدلًا على ذلك بإضافة لازمه إليه، فالاستعارة عنده في قولك: "أنشبت المنية أظفارها" هي لفظة "المنية" المستعملة عنده في الأسد، بادعاء أن المنية هي الأسد نفسه لا شيء آخر، بدليل إضافة أظفارها إليها، وإطلاق "المنية" مرادًا بها الأسد مع ادعاء أنها هي هو بقرينة إضافة أظفاره إليها هو الاستعارة عنده بالمعنى المصدري.

الصفحة 210