كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام

وأما مذهب الخطيب في المكنية، وهو القزويني خطيب دمشق قاضي القضاة محمد بن عبد الرحمن صاحب "التلخيص" و"الإيضاح"، فهو أنها هي التشبيه المضمر في النفس المتروك أركانه سوى المشبه المدلول عليه بإثبات لازم المشبه به له. فنحو: "أنشبت المنية أظفارها" عنده معناه أن المتكلم بهذا اللفظ أراد تشبيه المنية بالأسد بجامع الاغتيال والإهلاك، فأضمر التشبيه في نفسه، وحذف أركانه كلها إلا المشبه الذي هو المنية، وأثبت له لازمه المحذوف الذي هو المشبه به. فالمحذوف الأسد، ولازمه الأظفار المثبتة للمنية، فالمكنية عنده: تشبيه مضمر في النفس مدلول عليه بذكر لازم المشبه به.
وأما مذهب العصامي في المكنية فهو أن الاستعارة بالكناية لفظ المشبه به المقلوب المستعار للمشبه المقلوب، مع جعل مجموع الكلام كناية عن لازم معناه. وتقريره في نحو: "أظفار المنية" أن يقال: شبه الأسد بالمنية، واستعير لفظ المنية للأسد، ثم جعل التركيب المشتمل على هذه الاستعارة وهو مجموع قولك: "أنشبت المنية أظفارها بفلان"، من حيث معناه بعد التركيب وهو إنشاب الأسد الحقيقي أظفاره بفلان = كناية عن تحقيق الموت، فهي عندهم من فروع التشبيه المقلوب، وهو قلب المشبه به مشبهًا والمشبه مشبهًا به، كقول محمد بن وهب يمدح المأمون بن هارون الرشيد:
وبدا الصباح كأن غرته ... وجه الخليفة حين يُمتدح
وأما مذهب صاحب "الكشف" في المكنية فهو أنها اللازم المرموز

الصفحة 211