كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام

به للمشبه به المحذوف، وهو الأظفار في المثال المذكور، ويسمى استعارة لاستعارته للمشبه، وبالكناية لأنه كناية عن النسبة، أي إثبات الأسدية للمنية، وهذا هو ما فهمه صاحب "الكشف" من كلام صاحب "الكشاف". والتحقيق أن كلام صاحب "الكشاف" يوافق مذهب سلف البيانيين كما قدمنا.
فإذا حققت هذه المذاهب الأربعة في المكنية، وعلمت أنا قدمنا أنها لا معول على شيء منها، فسنذكر لك وجه بطلان كل واحدٍ منها على سبيل اللف والنشر المرتب.
أما مذهب السكاكي في المكنية فوجه القدح فيه أن ما سماه استعارة لا يتناوله اسم الاستعارة على مذهبه، والحكم على شيء بأنه استعارة وهو ليس من الاستعارة واضح البطلان؛ لأنها على مذهبه حقيقة لغوية، والاستعارة لا تطلق اصطلاحًا إلا على مجاز علاقته المشابهة.
وإيضاح ذلك أنا قدمنا أن مذهبه في المكنية أنها لفظ المشبه المستعمل في المشبه به بادعاء أنه هو لقرينة نسبة صفته إليه، فالمنية عنده مرادًا بها الأسد مدعيًا أنها هي هو لا شيء آخر بدليل نسبة أظفاره إليها، ولا يخفى أن لفظ المشبه كالمنية في المثال المذكور لم يستعمل إلا فيما وضع له تحقيقًا للقطع بأن المراد بالمنية الموت لا شيء آخر. غاية الأمر ادعاء اتحاد الموت بالأسد، ولا شيء من الاستعارة يستعمل في معناه الموضوع له تحقيقًا، والسكاكي نفسه فسَّر الاستعارة بأنها ذكر أحد طرفي التشبيه مرادًا به الآخر، وهي عنده قسم من المجاز

الصفحة 212