كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام

المشبه المذكور، فالمشبه به المحذوف المدلول عليه بلازمه هو المكنية، وإسناد ذلك اللازم إلى المشبه هو التخييلية، فالتلازم واضحٌ.
ولا يخفى أن الاستعارة لا تنفك عن قرينتها، لأنها جزء من حدها، إذ لابد في المجاز من قرينة كما لا تنفك قرينة الاستعارة عنها، وهذا هو المذهب المعول عليه، والخطيب موافق للجمهور فيه، فهو يوافقهم في التخييلية، ويخالفهم في المكنية.
ومذهب السكاكي في قرينة المكنية أنها تكون طورًا استعارة تحقيقية، وطورًا تخييلية، وطورًا حقيقة لغوية، فمثالها تحقيقية قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ} [الرعد/ ٢٥]، وقوله: {يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ} [هود/ ٤٤]؛ لأنا قدمنا أن السكاكي يقسم الاستعارة إلى تحقيقية، وتخييلية، لأن المستعار له إما أن يكون موجودًا في الخارج أو العقل، أو معدومًا فيهما، فإن كان موجودًا في واحد منهما فهي التحقيقية، وإلا فالتخييلية، فالتحقيقية قسمان نظرًا إلى وجوده في الحِسِّ أو العقل.
فمثال التحقيقية التي التحقيق فيها عقلي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ}؛ لأنها استعارة بالكناية، وقرينتها استعارة تحقيقية؛ لوجود المستعار له فيها عقلًا.
وإيضاحه: أن المراد تشبيه العهد بالحبل، والجامع إثبات الوصلة بين أمرين، فحذف الحبل الذي هو المشبه به، وذكر العهد الذي هو المشبه، ورمز للحبل المحذوف بشيء من لوازمه وهو النقض، أي

الصفحة 216