كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام

تفريق طاقات الحبل وتفكيكها. فالنقض الذي هو قرينة المكنية ليس باستعارة تخييلية، بل فيها استعارة تحقيقية تصريحية تبعية.
وإيضاح ذلك: أنه لما شبه بالحبل شبه إبطال العهد بتفكيك طاقات الحبل، فجرت في ملائم المشبه وملائم المشبه به تبعًا لما يلائمه كل منهما.
ففي الكلام استعارتان: إحداهما مكنية، والأخرى تصريحية تحقيقية.
وبيانه: أنه شبه العهد بالحبل، فاستعمل فيه على مذهب السكاكي بادعاء أنه هو بدليل إضافة النقض إليه، وعند الجمهور أنه حذف المشبه به الذي هو الحبل، وأثبت لازمه المرموز له به الذي هو النقض للمشبه المذكور الذي هو العهد، على سبيل الاستعارة المكنية، ثم شبَّه إبطال العهد بتفكيك طاقات الحبل الذي هو النقض، وحذف المشبه الذي هو الإبطال، وصرح بالمشبه به الذي هو النقض، فصارت استعارة تصريحية، والمشبه الذي هو الإبطال موجود عقلًا، فصارت تحقيقية، وتحقيقها عقلي.
ومثال إتيان قرينة المكنية استعارةً تحقيقيةً وتحقيقُها حسيٌّ قوله تعالى: {يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ}؛ لأنه شبه الماء بالغذاء، وحذف المشبه به الذي هو الغذاء، وذكر المشبه الذي هو الماء، ورمز للغذاء المحذوف بلازمه الذي هو البلع. وعند السكاكي: أن الماء مستعمل في الغذاء بادعاء أنه هو، والقرينة نسبة البلع إليه، والبلع مستعار للغَوْر؛ لأنه شبه غور الماء في الأرض ببلع الغذاء، والجامع الغيبوبة

الصفحة 217