كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام

"أنبت الربيع البقل" إذ المراد عنده تشبيه الربيع بالفاعل المختار بادعاء أنه عينه لقرينة نسبة الإنبات إليه على سبيل الاستعارة المكنية. والإنبات الذي هو قرينة هذه المكنية حقيقة لغوية.
فإذا حققت أن مذهب سلف البيانيين وجمهورهم في قرينة المكنية أنها الاستعارة التخييلية التي هي في نفس الأمر حقيقةٌ لغويةٌ مجازٌ عقليٌّ، وسميت استعارة تخييلية على سبيل المجاز العرفي، وحققت أن مذهب السكاكي في قرينة المكنية أنها تارة تكون تحقيقية مصرحة، وتارة تكون تخيليية مصرحة، وتارة تكون حقيقة لغوية، وحققت أن المكنية والتخييلية متلازمتان عند الجمهور والخطيب وأنهما ليستا بمتلازمتين عند السكاكي كما بينا = فاعلم أن السعد التفتازاني اختار ما ذكره الزمخشري: من أن ملازمة المكنية والتخييلية أمر غالب لا لازم، لجواز أن تكون قرينتها تحقيقية، كما في قوله: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ}؛ لأن فيه عنده استعارة مكنية، وقرينتها استعارة تحقيقية مصرحة تبعية؛ لأن المراد تشبيه العهد بالحبل، فحذف الحبل الذي هو المشبه به، ورمز له بلازمه الذي هو النقض، أي تفكيك طاقاته، وأضيف إلى العهد الذي هو المشبه المذكور، فالحبل المحذوف المدلول عليه بلازمه الذي هو تفكيك طاقاته المعبر عنه بالنقض استعارةٌ بالكناية، والنقض المذكور شبه به إبطال العهد، فحذف المشبه الذي هو الإبطال، وصرح بالمشبه به الذي هو النقض، فكانت استعارة مصرحة، ثم اشتق من النقض الفعل الذي هو ينقضون، فكانت تبعية، فقرينة هذه المكنية استعارة تحقيقية مصرحة تبعية، فظهر عدم ملازمتها للتخييلية كما اختاره السعد.

الصفحة 219