كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام

ومحل الشاهد من هذه الأبيات، قوله: "صقلتها يد النسيم".
وينفرد مذهب السمرقندي فيما إذا وجد للمشبه ملائم المشبه به المستعمل فيه ولم يشع استعماله فيه، كقول ابن شماخ:
نوائب غالتني فأبدت فضائلي ... فكانت وكنت النار والعنبر الوردا
فلولا علاه عشت دهري كله ... وكيس كلامي لا أحل له عقدا
فإنه أراد تشبيه الكلام بالنقد بجامع أن كلا محل للمفاخرة والتزين، فحذف المشبه به الذي هو النقد، ورمز له بلازمه الذي هو الكيس على سبيل الاستعارة المكنية، وأثبت المشبه الذي هو الكلام وأضاف إليه ملائم المشبه المحذوف الذي هو الكيس الملائم للنقد، فكما أن المشبه به الذي هو النقد يلائم الكيس لدخوله فيه وخروجه منه، فكذلك المشبه الذي هو الكلام له ملائم يشبه الكيس وهو الروية والذهن لكون الكلام خارجًا عنها، فهما له كالكيس للنقد، والروية: التفكر في الأمر، والذهن: الاستعداد التام لإدراك العلوم بالفكر، ويطلق على القوة المعدة لاكتساب العلوم، والفكر حركة النفس في المعقولات، وأما حركتها في المحسوسات فتخيل.
فقرينة هذه المكنية في قوله: "وكيس كلامي" عند السمرقندي استعارة تحقيقية لوجود المستعار له فيها عقلًا، وإن لم يشع استعمال ملائم المشبه به فيه، فهي تحقيقية مصرحة أصلية عند السمرقندي، وأما عند صاحب "الكشاف" فليست استعارة لعدم شيوع استعمال الكيس في الروية والذهن، فهي عنده حقيقةٌ لغويةٌ مجازٌ عقليٌّ كمذهب

الصفحة 221