كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام

الجمهور.
وأما إن كان ملائم المشبه الذي استعمل فيه ملائم المشبه به ليس له وجود في الحس، ولا في العقل، ولم يشع استعماله فيه، فليس باستعارة باتفاق السمرقندي والزمخشري، لأن السمرقندي يعتبر الوجود وهو غير موجود، والزمخشري يعتبر شيوع الاستعمال، وهو ليس بشائع استعماله فيه، وذلك كقول علي بن الخنائي في رسالته القلمية: "يعجز عن بيان غرره بنان الأفهام، ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام" أراد تشبيه الأفهام بشخص كاتب، بجامع أن كلًّا سبب للإبانة والإيضاح، فحذف المشبه به الذي هو الكاتب، ورمز له بملائمه الذي هو البنان على سبيل الاستعارة المكنية، وأضاف البنان إلى المشبه الذي هو الأفهام، ولم يشع استعمال البنان الذي هو ملائم المشبه به في ملائم المشبه الذي هو الأفهام، مع كون الأفهام لم يوجد لها ملائم يشبه البنان.
فإذا حققت مما ذكرنا مذاهب البيانيين في المكنية ومذاهبهم في قرينتها، وأن المكنية والتخييلية متلازمتان عند سلف البيانيين وجمهورهم، وأن السعد التفتازاني اختار ما ذهب إليه الزمخشري من كون الملازمة بين التخييلية والمكنية أغلبية لا دائمة = فاعلم أن السكاكي عنه في ملازمة المكنية والتخييلية مذهبان:
أحدهما: أن التخييلية توجد دون المكنية، والمكنية لا توجد دون التخييلية.
والثاني: أن كلًّا منهما توجد دون الأخرى.

الصفحة 222