كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام

حتى يدعى أن المستعار له فرد منها، لكن هذا المعنى الجزئي الذي هو مسمى حاتم اشتهر بصفة الجود اشتهارًا تامًّا حتى صار كل من اشتهر بتلك الصفة يسمى باسمه؛ فصارت لفظة "حاتم" بهذا الاعتبار كأنها اسم جنس لكل جواد، فاستعارته لرجل آخر جواد استعارة أصلية؛ لأن المستعار منه فيها اسم جنس بالتأويل.
ومثال الاستعارة الأصلية التي المستعار منه فيها مصدر قولك: "عجبت من قتل زيد عمرًا"، تعني أنه ضربه ضربًا شديدًا، فالمستعار منه الذي هو القتل المستعار للضرب مصدر، فاستعارته للضرب أصلية، لأنها لم تجر في شيء قبل المصدر ثم فيه بالتبع، بل جرت في المصدر بالأصالة والاستقلال، كما سيتضح من مثال التبعية إن شاء اللَّه.
وأما مثال التبعية التي المستعار منه فيها فعل فكقولهم: "نطقت الحال بكذا" لأن المراد تشبيه دلالة الحال على الأمر بالنطق به، والجامع الإبانة والإيضاح، فحذف المشبه الذي هو الدلالة وصرح بالمشبه به الذي هو النطق فكانت مصرحة، ثم اشتق من النطق الذي هو المصدر الفعل الذي هو نطقت، فكانت الاستعارة تبعية، لجريانها في المصدر أولًا، ثم في الفعل بالتبع لجريانها في المصدر، ومعنى كونها تبعية أنها لا تجري في الفعل إلا بالتبع لجريانها في المصدر، ولذا كانت أصلية في المصدر.
وإيضاحه: أن معنى الفعل الذي هو "نطقت" مركب من أمرين: أحدهما: المصدر الذي هو الحدث. والثاني: الزمن. فلفظ "نطقت"

الصفحة 229