كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام

يدل بالمطابقة على نطق في زمن ماض، فمعنى الفعل مركبٌ من مصدر وزمن، والماهية المركبة يستحيل تعقلها حتى تتعقل أجزاؤها التي تركبت منها، فملاحظة النطق لازمة لزومًا عقليًا لإدراك معنى "نطقت"؛ لأن النطق جزء من مدلولها، والماهية المركبة لا تعقل إلا بالتبع لإدراك أجزائها التي تركبت منها، فقولك: "نطقت الحال" لابد فيه من ملاحظة معنى النطق أولًا، وأن دلالة الحال مشبهة به، وأنه مستعارٌ لها، ثم بواسطة الاشتقاق تلاحظ استعارة "نطقت الحال" لِـ"دَلَّتْ الحال" تبعًا لملاحظة استعارة النطق للدلالة.
فالمصدر الذي هو الفعل الحقيقي أصل للفعل الصناعي؛ لأنه مشتق منه على التحقيق، والفعل الحقيقي الذي هو الحدث أعني المصدر جزء من مدلول الفعل الصناعي الذي هو الفعل الماضي والمضارع، وجزؤه الآخر الزمن، والمقصود في التشبيه الذي هو الاستعارة المصدر لا الزمن، فلا نظر إلى الزمن في الاستعارة أصلًا، فلزم جريانها في المصدر بالأصالة، ثم في الفعل بالتبع له، ولا يخفى أن الفعل إذا حللته انحل إلى مصدر وزمن، فإذا كان الزمن لا التفات إليه أصلًا في الاستعارة، تعين قصد المصدر، فلزم جريانها فيه بالأصالة، ثم في الفعل بالتبع له.
واعلم أن ما ذكرنا من أن ماهية الفعل الصناعي مركبة من المصدر والزمن فقط، وأن النسبة إلى الفاعل المعين غير داخلة في مفهومه، بل الدال عليها جملة الكلام = هو مذهب الجمهور، فـ "نطق" عندهم تدل على نطق في زمن ماضٍ، ولا تدل على نسبة ذلك النطق لفاعل معين،

الصفحة 230