كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام

تحقيق مذهبه في المكنية، فالحال التي هي قرينة التبعية عند القوم استعارة مكنية عنده، و"نطقت" التي هي التبعية عند القوم هي قرينة المكنية عنده.
واختياره هذا مردود بأنه مؤدٍّ للقول بالاستعارة التبعية لا محالة، وإذا كان نفيه لها يلزمه فيه القول بها فلا وجه له.
وإيضاح ذلك: أنه صرح في "المفتاح" في المجاز العقلي بأن "نطقت" في "نطقت الحال بكذا" استعارة للأمر المقدر الوهمي كلفظ "الأظفار" في "أظفار المنية" المستعار للصورة الوهمية الشبيهة بالأظفار. فيكون "نطقت" استعارة في الفعل لا محالة، لضرورة كونها مجازًا علاقته المشابهة، والاستعارة في الفعل لا تكون إلا تبعية عنده وعند القوم، فلزم السكاكي القول بالتبعية، فاختياره ردَّها مع اضطراره إلى القول بها لا وجه له، ولا فائدة فيه.
واعلم أن تحقيق وجه كون الاستعارة في الفعل لا تكون إلا تبعية هو أن الفعل لا تصح فيه الموصوفية اللازمة للتشبيه الذي هو مبنى الاستعارة، ونفي اللازم يقتضي نفي الملزوم.
وإيضاحه: أن الفعل وإن دل على الحدث الذي يصح أن يحكم به ويوصف به لا يصح أن يحكم عليه؛ لأن وصفه اعتبر فيه نسبته إلى الفاعل لا لذاتها، بل ليتوصل بها إلى حال الفاعل المخصوص، فلم يمكن الحكم عليه، كما أن الحرف لمَّا وضعه الواضع ليفيد معنى نسبيًا، نحو الابتداء في "مِنْ" مثلًا، ليتوصل به إلى حال متعلقه المخصوص كالكوفة والبصرة في ابتداء السير من إحداها = لا يصح

الصفحة 240