كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام

تشبيه الزمن المستقبل بالماضي، والجامع تحقق الوقوع في المستقبل كتحقق الفعل الذي مضى، لأن تعلق علم اللَّه بوقوعه لا محالة صيَّره كالواقع في زمن ماض، ثم استعير الزمن الماضي للمستقبل، فعبر عن الإتيان في المستقبل بالإتيان في الماضي، فجيء بصيغة الفعل الماضي الذي هو "أتى". فهذه استعارة قصد فيها الزمن.
والذي يظهر أن المقصود في هذه تشبيه زمن بزمن، ولا ملاحظة للمصدر فيها أصلًا؛ لأن المصدر الذي هو "الإتيان" مستعمل في معناه الحقيقي في كل من المشبه والمشبه به، فالإتيان في "أتى" التي هي المستعار منه، وفي "سيأتي" التي هي المستعار له مقصودٌ به معناه اللغوي حقيقة، فدل على أن الحدث الذي هو المصدر الذي هو المقصود الأهم من الفعل لم يلاحظ أصلًا في هذه الاستعارة، فيظهر بذلك سقوط الاعتراض المذكور؛ لأن الكلام السابق فيما يكون فيه المصدر داخلًا في مقصود المستعير بالاستعارة كالأمثلة الماضية، لا فيما يكون المصدر فيه أجنبيًا من مقصود المستعير بالاستعارة.
تنبيه: اعلم أن الاستعارة في اسم الآلة والمكان والزمان تبعية على التحقيق؛ لجريانها في المصدر أولًا، ثم في الأسماء المذكورة بالتبع له، للقطع بأنك إذا قلت: "هذا مقتل فلان" للموضع الذي ضرب فيه ضربًا شديدًا، أو للزمان الذي ضرب فيه ضربًا شديدًا، أو "هذا مرقد فلان" لقبره، أو "مضى مرقده" لوقت موته، أو "هذا مقتاله" للآلة التي ضرب بها ضربًا شديدًا = فالتشبيه الذي هو مبنى الاستعارة في ذلك إنما هو في المصدر أولًا، أعني الموت والرقاد والضرب الشديد

الصفحة 242