كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام

وأما استعارة محسوسٍ لمعقولٍ والجامع عقلي، فكقوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [الحجر/ ٩٤] لأن المستعار منه الصدع الذي هو كسر الزجاجة ونحوها مما لا يلتئم، والصدع المذكور حسي باعتبار متعلقه، والمستعار له تبليغ النبي صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم ما أمر بتبليغه بإسماعه المبعوث إليهم وبيانه لهم، والجامع بين الصدع والتبليغ التأثير، أي أبان الأمر إبانة لا تمحى ولا ينطمس أثرها، كما لا يلتئم صدع الزجاجة، والمستعار له الذي هو التبليغ والجامع الذي هو التأثير عقليان.
وأما استعارة معقول لمحسوس والجامع عقلي، فكقوله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (١١)} [الحاقة/ ١١] فالمستعار له كثرة الماء وهو حسي؛ لأن مرجع كثرته إلى وجود أجزاء كثيرة للماء، ولاشك أن الوجود للأجرام حسي باعتبار ذاتها، والمستعار منه التكبر، والجامع الاستعلاء المفرط، وهما عقليان. أما عقلية التكبر مظاهرة من تفسيره، وأما عقلية الاستعلاء المفرط فمن جهة أن المراد به العلو المفرط في الجملة، أي كون الشيء بحيث يعظم في النفوس، إما بسبب كثرة كما في الماء، وإما بسبب وجود الرفعة ادعاءً أو حقيقة كما في التكبر، ولا شك أن الاستعلاء بهذا المعنى عقلي مشترك بين الطرفين.
فإذا حققت انقسامات الاستعارة التي هي قسم من أقسام المجاز المفرد، فسنتكلم لك على الاستعارة التي هي قسم من أقسام المجاز المركب.
اعلم أنا قدمنا الكلام على المجاز المركب في بحث تقسيم

الصفحة 256