كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام

المجاز، وذكرنا أن المجاز المركب لابد أن تكون علاقته المشابهة أو غيرها، فإن كانت المشابهة فهي الاستعارة التمثيلية، وإلا فالمجاز المركب المرسل.
والحاصل أن المجاز المركب هو اللفظ المركب الذي استعملت مفرداته في معناها اللغوي، واستعملت جملته فيما شبه بمعناه الأصلى تشبيه التمثيل، وهو ما يكون وجهه منتزعًا من متعدد للمبالغة في التشبيه، أي تشبيه إحدى صورتين منتزعتين من أمرين أو أمور بالأخرى، ثم تدخل المشبهة في جنس المشبه بها مبالغة في التشبيه، فتذكر بلفظها من غير تقييد بوجهٍ من الوجوه، كما كتب به الوليد بن يزيد لما بويع إلى مروان بن محمد، وقد بلغه أنه متوقف في البيعة له: "أما بعد؛ فإني أراك تقدم رجلًا وتؤخر أخرى، فإذا أتاك كتابي هذا فاعتمد على أيتهما شئت. والسلام"، شبه صورة تردده في المبايعة بصورة تردد من قام ليذهب في أمر، فتارة يريد الذهاب فيقدم رجلًا، وتارة لا يريده فيؤخر أخرى، فاستعمل في الصورة الأخرى الكلام الدال بالمطابقة على الصورة الثانية، ووجه الشبه [الذي] هو الإقدام تارةً والإحجام أخرى منتزعٌ من عدة أمور.
وكما يقال لمن يعمل في غير معمل: "أراك تنفخ في غير فحم، وتَخُطُّ على الماء"؛ لأن النافخ في غير محل نارٍ لا يستفيد بنفخه إيقاد نارٍ، وكذلك الذي يكتب على الماء لا تحصل من كتابته حروف، فصورة النافخ في رماد، والكاتب على الماء صورة العامل عملًا في غير محله لا يرجع عليه بفائدة متشابهتان؛ فاستعمل اللفظ الدال بالمطابقة

الصفحة 257