كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام

على إحداهما في الأخرى لمشابهتهما على سبيل الاستعارة التمثيلية.
وكما يقال لمن يعمل الحيلة حتى يميل صاحبه إلى ما كان يمتنع منه: "ما زال يفتل منه في الذروة والغارب حتى بلغ منه ما أراد". والمعنى: أنه لم يزل يرفق بصاحبه رفقًا يشبه حاله فيه حال من يجيء إلى البعير الصعب فيحكه، ويفتل الشعر في ذروته وغاربه حتى يسكن ويستأنس.
وهذه الاستعارة التي هي التمثيلية هي أبلغ الاستعارات وأحسنها.
واعلم أن المجاز المركب يسمى التمثيل على سبيل الاستعارة والتمثيل مطلقًا، أي من غير تقييد بقولنا: "على سبيل الاستعارة". ويفارق التشبيه التمثيلي بأنه يقال له: "تشبيه تمثيل" أو "تشبيه تمثيلي"، ولا يقال له: "تمثيلي" من غير ذكر لفظ التشبيه؛ لأنه بذلك الإطلاق ينصرف إلى المجاز المركب.
واعلم أن "الاستعارة التمثيلية" التي ذكرنا تحقيق الكلام عليها إذا كان استعمالها فاشيًا سميت مثلًا، فجميع الأمثال السائرة من الاستعارة التمثيلية، ولذا لا تغير الأمثال، لأن الاستعارة يجب أن تكون لفظ المشبه به المستعمل في المشبه، فلو غير المثل لما كان لفظ المشبه به بعينه، فلا يكون استعارة، فلا يكون مثلًا، ولهذا لا يلتفت في الأمثال إلى مضاربها تذكيرًا وتأنيثًا وإفرادًا وتثنيةً وجمعًا، بل إنما ينظر إلى مواردها، كما يقال للرجل الذي طلب أمرًا بعد تسببه في فواته وقت الإمكان: "الصيف ضيعتِ اللبن" بكسر تاء الخطاب؛ لأنه في الأصل لامرأة، وهي دسوس بنت لقيط بن زرارة، وسبب المثل أنها تزوجت

الصفحة 258