كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام

شيخًا كبيرًا ذا مالٍ فكرهته، فطلبت منه الطلاق فطلقها، فتزوجت شابًا فقيرًا، ثم أصابتها سنة فأرسلت إلى الشيخ الأول تطلب منه اللبن، فقال للرسول: قل لها: "الصيف ضيعتِ اللبن" أي لما طلبت الطلاق في الصيف أوجب لها ذلك أن لا تعطى لبنًا. فلما قال لها الرسول ذلك وضعت يدها على زوجها الشاب، فقالت: مذق هذا خير. أي لبنه المخلوط بالماء على جماله وشبابه مع فقره خير من الشيخ ولبنه. ثم نقله الناقل الأول بمضرب هو قضية تضمنت طلب الشيء بعد تضييعه والتفريط فيه، ثم فشا استعماله في مثل تلك القضية مما طلب فيه الشيء بعد السبب في ضياعه في وقت آخر، فصار مثلًا لا يغير، بل يقال: "ضيعتِ" بكسر التاء والإفراد، ولو خوطب به المذكر، أو المؤنث، أو المجموع، كما أشار له مالك بن المرحل في نظمه المشهور بقوله:
وقل لمن يطلب شيئًا فات عن ... يديه ويك الصيف ضيَّعتِ اللبن
وتكسر التاء لأن المثلا ... جرى على أنثى خطابًا أولا
واعلم أنا قدمنا أن المجاز المركب إذا كانت علاقته غير المشابهة فهو مجاز مرسل مركب، كقوله:
هواي مع الركب اليمانين مصعد ... جنيب وجثماني بمكة موثق
فإن هذا المركب موضوع للإخبار بكون "هواه": أي مهويه ومحبوبه "مصعدًا" أي مبعدًا "مع الركب اليماني" وجسمه موثق ومقيد بمكة، لكن ذلك المركب لم يستعمل في ذلك المعنى، بل الغرض منه

الصفحة 259