كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام

في عد نفسه وجماعته من جنس الجن، وعد جماله من جنس الطير حيث قال:
نحن قومٌ مِلْجِنِّ في زيِّ ناس ... فوق طيرٍ لها شخوصُ الجِمال
وبهذا يندفع ما يقال: إن الإصرار على دعوى الأسد به للرجل الشجاع ينافي نصب القرينة المانعة عن إرادة الأسد، وأن التعجب والنهي عنه كما في البيتين المذكورين.
فالبناء على تناسي التشبيه قضاء لحق المبالغة، ودلالة على أن المشبه بحيث لا يتميز عن المشبه به أصلًا حتى إن كل ما يترتب على المشبه به من التعجب والنهي عن التعجب يترتب على المشبه أيضًا.
ثم إن عرفت معنى الاستعارة، وأنها مجازٌ لغويٌّ على التحقيق، فاعلم أن الاستعارة تفارق الكذب من وجهين:
أحدهما: بناء الدعوى فيها على التأويل في دعوى حصول المشبه في جنس المشبه به بجعل أفراد المشبه به قسمين: متعارف، وغير متعارف، كما مر.
والثاني: نصب القرينة على أن المراد بها خلاف ظاهرها، فإن الكاذب يتبرأ من التأويل، ولا ينصب دليلًا على خلاف زعمه، بل يبذل المجهود في ترويج ظاهره.
واعلم أن أحسن أنواع المجاز الاستعارة التمثيلية، ثم المكنية، ثم التصريحية، ثم المجاز المرسل. وحسن التخييلية عندهم بحسب حسن المكنية، لأنها تابعتها عند سلف البيانيين، والتابع بحسب

الصفحة 264