كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام

وروى البيهقي بإسناده عن علي رضي اللَّه عنه أنه قال لابنه: "يا بني أفرد الحج فإنه أفضل"، وبإسناده عن ابن مسعود أنه أمر بإفراد الحج.
فهذه الأحاديث الصحيحة دالة على أنه صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم أحرم في حجة الوداع بالحج مفردًا، وهو صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم لا يحرم إلا بما هو الأفضل.
وإنما كانت هذه الأحاديث الدالة على إفراده صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم أرجح عند المالكية والشافعية ومن وافقهم في تفضيل الإفراد من الأحاديث الصحيحة الدالة على أنه صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم كان قارنًا، ومما ثبت في الصحيح أيضًا أنه صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم كان متمتعًا، وترجيحهم لأحاديث الإفراد، بسبب أمور:
منها: أنه الأكثر في الروايات الصحيحة في حجة النبي صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم.
ومنها: أن رواته أخص بالنبي صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم في هذه الحجة، فإن منهم جابرًا وهو أحسنهم سياقًا لحجة النبي صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم، فإنه ذكرها من أول خروجه صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم من المدينة إلى فراغه، وذلك مشهور في صحيح مسلم وغيره، وهذا يدل على ضبطه لها واعتنائه بها، ومنهم ابن عمر وقد قال: "كنت تحت ناقة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم يمسني لعابها، أسمعه يلبي بالحج"، ومنهم عائشة وقربها من النبي صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم معروف، واطلاعها على باطن أمره وفعله في خلوته وعلانيته مع فقهها وعظيم فطنتها، ومنهم ابن عباس وهو

الصفحة 291