كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام

بالمحل المعروف من الفقه والفهم الثاقب مع كثرة بحثه وحفظه أحوال النبي صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم.
ومن أدلة تفضيل الإفراد أن الخلفاء الراشدين رضي للَّه عنهم أفردوا الحج، وواظبوا على ذلك بعد النبي صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم، كذلك فعل أبو بكر، وعمر، وعثمان، واختلف فعل عليٍّ رضي اللَّه عنهم أجمعين.
وقد حج عمر بالناس عشر حجج مدة خلافته كلها مفردًا، ولو لم يكن هذا هو الأفضل عندهم وعلموا أن النبي صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم حج مفردًا لم يواظبوا على الإفراد مع أنهم الأئمة الأعلام، وقادة الإسلام، ويقتدى بهم في عصرهم وبعدهم، وكيف يظن بهم المواظبة على خلاف فعل النبي صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم، أو أنهم خفي عليهم جميعهم فعله صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم؟ !
وأما الخلاف عن علي وغيره فالظاهر أنهم إنما فعلوه لبيان جواز غير الإفراد، فلا ينافي أفضلية الإفراد عندهم.
ومن أدلة ترجيح الإفراد أنه لا يجب فيه دم بالإجماع، وذلك لكماله، ويجب الدم في التمتع والقران، وذلك الدم جبران لسقوط الميقات وبعض الأعمال، لأن ما لا خلل فيه ولا يحتاج إلى جبران أفضل. وقول المخالف: "إنه دم نسك لا جبران" غير مسلم، بدليل أن الصيام يقوم مقامه عند العجز، ولو كان دم نسك لم يقم مقامه كالأضحية.

الصفحة 292