كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام

وعلى آله وسلم بأدلة:
منها: أنه مأخوذٌ من حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين قال: "كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض، ويجعلون المحرم صفرًا، ويقولون: إذا برأ الدبر، وعفا الأثر، وانسلخ صفر، حلت العمرة لمن اعتمر. فقدم النبي صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا: يا رسول اللَّه أي الحل؟ قال: "حِلٌّ كله". رواه البخاري ومسلم. وفي رواية مسلم: "الحل كله".
ففي هذا الحديث دلالةٌ ظاهرةٌ أنه صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم إنما أمرهم بفسخ الحج في عمرة لمخالفة ما كان الجاهلية عليه من تحريم العمرة في أشهر الحج، وقولهم: "إنها من أفجر الفجور"؛ إذ لو لم يكن هذا هو علة الفسخ لما كان في ذكره وترتيب الفسخ عليه فائدةٌ.
فكون مخالفة الجاهلية علة للفسخ المذكور تؤخذ من هذا الحديث بمسلكين من مسالك العلة، وهما ظهور النص والإيماء؛ لأن مسلك النص مرتبتان: نص صريح، ونص ظاهر. وقد تقرر عند الأصوليين أن الفاء ظاهرة في التعليل، كقولهم: "سها فسجد" و"سرق فقطعت يده".
فإذا عرفت ذلك فاعلم أن قوله: "فأمرهم أن يجعلوها عمرة" بالفاء بعد قوله: "كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض" يدل بظاهره على أن ذلك هو علة الفسخ.

الصفحة 294