كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام

بينهما بأنه صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم أحرم أولًا بحج مفردًا، كما تضافرت به الروايات الصحيحة، ثم لما أمر من لم يكن معه هدي من أصحابه بفسخ الحج إلى عمرة لمخالفة ما كان عليه أهل الجاهلية، وشق عليهم رضي للَّه عنهم إحلالهم مع كونه صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم باقيًا على إحرامه تأسف على سوق الهدي، وذكر أنه لو لم يسقه لفعل مثل ما أمرهم به مواساة لهم وتطييبًا لنفوسهم، ثم إنه أدخل العمرة على الحج ليوافقهم في إدخالها عليه، إلا أنه منعه من التحلل معهم كونه معه الهدي، فلم يحل من شيء حتى أتم حجه، فقد صار صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم قارنًا بإدخاله العمرة على الحج.
وكونه صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم صار قارنًا في آخر الأمر، لم يدل عند المالكية والشافعية ومن وافقهم على أفضلية القران على الإفراد، لأنه صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم قرن للموجب المذكور، وقد زال.
وأما الأحاديث الصحيحة الدالة على أنه صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم كان متمتعًا، فلا يرد الإشكال بها على ما ذكرنا أيضًا؛ لأن التمتع ربما أطلق على مطلق العمرة في أشهر الحج فيشمل القِرانَ، فيكون معناه القِران. وقد بينا أنه كان قارنًا في آخر الأمر، للأحاديث الصحيحة الدالة على ذلك، مع وجوب الجمع بين الأحاديث إذا أمكن، أو أن معنى كونه كان متمتعًا: أمره أصحابه بفسخ الحج إلى عمرة؛ لأن ذلك تمتع، حيث أحلوا بالعمرة في شهر ذي الحجة، ثم أهلوا محرمين بحج.

الصفحة 299