كتاب رحلة الحج إلى بيت الله الحرام

يردُّ على المالكية والشافعية ومن وافقهم احتجاجهم بالاختصاص المذكور، وأجويتهم عن قوله صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم: "بل للأبد" لا تنهض كل النهوض، ولا تتضح كل الوضوح.
قال النووي: معنى قوله: "بل للأبد" عند الجمهور: أن العمرة يجوز فعلها في أشهر الحج إبطالًا لما كان عليه في الجاهلية، وليس معناه جواز القِران. أي دخلت أفعال العمرة في أفعال الحج. وقيل: معناه: سقط وجوب العمرة.
قال مقيد هذه الرحلة عفا اللَّه عنه: هذه الأجوبة التي ذكرها النووي وغيره غير ظاهرة، والحجة بها غير ناهضة؛ لأن سياق سؤال سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي رضي اللَّه عنه يقتضي أن السؤال إنما وقع عن فسخ العمرة إلى الحج؛ لأنه هو القضية الواقعة، فصرف السؤال عنها إلى غيرها غير ظاهر.
ويدل على أن السؤال عن الفسخ المذكور سياق مسلم من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر، فإنه يقتضي أنه قال له ذلك لما أمر أصحابه أن يجعلوا حجهم عمرة، فهو دليلٌ واضحٌ لمن قال: "إن السؤال كان عن فسخ الحج إلى العمرة"، ولا يعارض هذا ما في صحيح البخاري وبعض روايات مسلم من أن سؤال سراقة للنبي صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم كان عند رمي جمرة العقبة لإمكان تعدد السؤال لتعدد المكان، مع أن السؤال عند جمرة العقبة أيضًا ظاهر في أنه عن القضية الواقعة كما قدمنا قريبًا، فلا يصرف عنها إلى غيرها إلا بدليل جازم.

الصفحة 301