كتاب رياضة النفس

وكذلك حذر الله عز وجل عباده فقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله)، ثم قال: (ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون). فلم يعب المال والولد، وإنما عاب الوله بالمال والولد، لأن الفرح والوله بالمال والولد يلهيه عن ذكر الله عز وجل، إذا لم يكن فيه فرح بفضل الله ورمته، ودعاه الهوى إلى أن يفرح بالمال، لزينة الدنيا وبهجتها ولذتها، وبالفرح بالولد، ليلعب به ويلهو، ويتزين به، ويستظهر به ويعتضد، فصار المال والولد فتنة لحبه إياهم، فلم يحب المال من أجل أنه عون له على طاعة الله عز وجل، ولم يحب الولد من أجل أنه غصن من شجرته، خرج ليعبد مولاه، فيكون له جاها عند الله عز وجل بما يعبده ولده، ولكنه أحبهما للتكاثر والتفاخر والتعاضد، تزينا بهما عند أهل الدنيا، كما قال الله عز وجل في تنزيله: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا). ثم قال عز وجل: (والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً). فمن أحبهما للزينة وفرح بهما، كان فرحه للدنيا، وكان وله قلبه إلى الهوى لا إلى الله عز وجل، ولذلك قال رسول الله
صلى عليه وسلم: (ما تحت أديم السماء إله يعبد من دون الله عز وجل، أبغض إلى الله عز وجل من الهوى). وقال عز وجل: (أفرأيت من أتخذ إلهه هواه). فلما اتبعوا الشهوات. ولم يروضوا نفوسهم، انقطعت القلوب عن محل الألوهية إلى الهوى، ففرحت بما أورد الهوى عليها من دنياه، فضاعت الحدود، وذهبت العبودية، وخانوا الأمانة، فماتت قلوبهم عن الحياة بالحي القيوم. وروى عن مالك بن دينار رحمة الله قال: مكتوب في بعض الكتب: (إن

الصفحة 47