كتاب روايات البغوي في تفسيره معالم التنزيل عن شيخه عبد الواحد المليحي "تخريج ودراسة"
يَا ابْنَ عَبَّاسٍ هَمَا عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ. ثُمَّ اسْتَقْبَلَ عُمَرُ الْحَدِيثَ يَسُوقُهُ فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَنَا وَجَارٌ لِي مِنَ الْأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ، وَهِيَ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ، وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَيَنْزِلُ يَوْمًا وأَنْزِلُ يَوْمًا فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ بِمَا حَدَثَ مِنْ خَبَرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الْوَحْيِ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ. وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى الْأَنْصَارِ إِذَا هُمْ قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَأْخُذْنَ مِنْ أَدَبِ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ فَصَخِبَتْ عَلَيَّ امْرَأَتِي فَرَاجَعَتْنِي فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي فَقَالَتْ: وَلِمَ تُنْكِرُ أَنْ أَرَاجِعَكَ! فَوَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِيُرَاجِعْنَهُ، وَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ لِتَهْجُرُهُ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ. فَأَفْزَعَنِي وَقَلْتُ: خَابَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُنَّ. ثُمَّ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي فَنَزَلْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ، فَقُلْتُ لَهَا: أَيْ حَفْصَةُ أَتُغَاضِبُ إِحْدَاكُنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَقُلْتُ: خِبْتِ وَخَسِرْتِ، أَفَتَأْمَنِينَ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ تَعَالَى لِغَضَبِ رَسُولِهِ فَتَهْلَكِي لَا تَسْتَكْثِرِي لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَا تُرَاجِعِيهِ فِي شَيْءٍ وَلَا تَهْجُرِيهِ وَسَلِينِي مَا بَدَا لَكِ، وَلَا يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ أَوْضَأَ مِنْكِ وَأَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدُ عَائِشَةَ -. قَالَ عُمَرُ: وَكُنَّا تَحَدَّثْنَا أَنَّ غَسَّانَ تُنْعِلُ الْخَيْلَ لِتَغْزُوَنَا فَنَزَلَ صَاحِبِي الْأَنْصَارِيُّ يَوْمَ نَوْبَتِهِ فَرَجَعَ إِلَيْنَا عِشَاءً فَضَرَبَ بَابِي ضَرْبًا شَدِيدًا وَقَالَ: أَثَمَّ هُوَ؟ فَفَزِعْتُ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: قَدْ حَدَثَ الْيَوْمَ أَمْرٌ عَظِيمٌ؟ فَقُلْتُ: مَا هُوَ أَجَاءَ غَسَّانُ! قَالَ: لَا بَلْ أَعْظَمُ مِنْهُ وَأَهْوَلُ، طَلَّقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نِسَاءَهُ. فَقُلْتُ: قَدْ خَابَتْ حَفْصَةُ وَخَسِرَتْ كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ هَذَا يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ. فَجَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي وَصَلَّيْتُ صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَشْرُبَةً فَاعْتَزَلَ فِيهَا فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَإِذَا هِيَ تَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكِ أَلَمْ أَكُنْ حَذَّرْتُكِ؟ أَطَلَّقَكُنَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -. قَالَتْ: لَا أَدْرِي هَا هُوَ ذَا مُعْتَزِلٌ فِي الْمَشْرُبَةِ. فَجِئْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ فَإِذَا حَوْلَهُ رَهْطٌ يَبْكِي بَعْضُهُمْ، فَجَلَسْتُ معهم قليلا ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ، فَجِئْتُ الْمَشْرُبَةَ الَّتِي فِيهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ لِغُلَامٍ لَهُ أَسْوَدَ: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ، فَدَخَلَ فَكَلَّمَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: كَلَّمْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ، فَانْصَرَفْتُ حَتَّى جَلَسْتُ مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَجِئْتُ فَقُلْتُ إِلَى الْغُلَامِ فَقُلْتُ: اسْتَأْذِنْ فَاسْتَأْذَنَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ فَقَالَ: قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ فَرَجَعْتُ فَجَلَسْتُ مَعَ
الصفحة 593