كتاب إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة (اسم الجزء: 7)

اسْتُضْعِفْتَ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِكَ فَقُتِلْتَ لِضَعْفِكَ. فَأَكَبُّوا علي وضموني إلى صدورهم وقبلوا رأسي وقالوا: يا حبذ أنت من يتيم مأكرمك عَلَى اللَّهِ لَوْ تَعْلَمُ مَاذَا يُرَادُ بِكَ مِنَ الْخَيْرِ. قَالَ: فَوَصَلُوا إِلَى شَفِيرِ الْوَادِي فَلَمَّا بَصُرَتْ بِي ظِئْرِي قَالَتْ: يَا بُنَيَّ ألأراك حَيًّا بَعْدُ. فَجَاءَتْ حَتَّى أَكَبَّتْ عَلَيَّ فَضَمَّتْنِي إلى صدرها فو الذي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَفِي حِجْرِهَا قَدْ ضَمَّتْنِي إِلَيْهَا وَإِنَّ يَدِي لَفِي يَدِ بَعْضِهِمْ وَظَنَنْتُ أَنَّ الْقَوْمَ يُبْصِرُونَهُمْ فَإِذَا هُمْ لَا يُبْصِرُونَهُمْ فَجَاءَ بَعْضُ الْحَيِّ فَقَالَ: هَذَا الْغُلَامُ أَصَابَهُ لَمَمٌ أَوْ طَائِفٌ مِنَ الْجِنِّ فَانْطَلِقُوا بِهِ إِلَى الْكَاهِنِ يَنْظُرُ إِلَيهِ وَيُدَاوِيهِ. فَقُلْتُ (لَهُ) : يا هَذَا لَيْسَ بِي شَيْءٌ مِمَّا تَذْكُرُونَ أَرَى نفسي سليمة وفؤادي صَحِيحًا وَلَيسَ بِي قُلْبَةٌ. فَقَالَ أَبِي- وَهُوَ زوج ظئري-: ألا ترون ابني كلامه صحيح؟ إني لأرجو ألا يَكُونَ بِابْنِي بَأْسٌ. فَاتَّفَقَ الْقَوْمُ عَلَى أَنْ يَذْهَبُوا بِي إِلَى الْكَاهِنِ فَاحْتَمَلُونِي حَتَّى ذَهَبُوا بِي إِلَيْهِ فَقَصُّوا عَلَيْهِ قِصَّتِي. فَقَالَ: اسْكُتُوا حَتَّى أَسْمَعَ مِنَ الْغُلَامِ فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِأَمْرِهِ. فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ أَمْرِي مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ فَلَمَّا سَمِعَ مَقَالَتِي ضَمَّنِي إِلَى صَدْرِهِ وَنَادَى بأعلى صوت: يَا لَلْعَرَبَ اقْتُلُوا هَذَا الْغُلَامَ وَاقْتُلُونِي مَعَهُ فقواللات وَالْعُزَّى لَئِنْ
تَرَكْتُمُوهُ لَيُبَدِّلَنَّ دِينَكُمْ وَلَيُسَفِّهَنَّ أَحْلَامَكُمْ وأحلام آبائكم وليخالفن أمركم وليأتينكم بدين لم تسمعوا مثله. قال: فَانْتَزَعَنْي ظِئْرِي مِنْ يَدِهِ قَالَ: لَأَنْتَ أَعْتَهُ مِنْهُ وَأَجَنُّ وَلَوْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا يكون من قولك مأتيتك بِهِ. ثُمَّ احْتَمَلُونِي وَرَدُّونِي إِلَى أَهْلِي فَأَصْبَحْتُ معزى مما فعل بي وأصبح أثر الشق بَيْنَ صَدْرِي إِلَى مُنْتَهَى عَانَتِي كَأَنَّهُ شِرَاكٌ فذلك حقيقة قولي وبدء شَأْنِي. فَقَالَ الْعَامِرِيُّ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلالله وَأَنَّ أَمْرُكَ حَقٌّ فَأَنْبِئْنِي بِأَشْيَاءَ أَسْأَلُكَ عَنْهَا. قَالَ: سَلْ عَنْكَ- وَكَانَ يَقوُلُ لِلْسَائِلِينَ قَبَلَ ذَلِكَ: سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ فَقَالَ يَوْمَئِذٍ لِلْعَامِرِيِّ: سَلْ عَنْكَ " فَإِنَّهَا لُغَةُ بَنِي عَامِرٍ فكلمه بما يَعْرِفُ- فَقَالَ العَامِرِيُّ: أَخْبِرْنِي يَا ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَاذَا يَزِيدُ فِي الشَّرِ؟ قَالَ: التَّمَادِي. قَالَ فَهَلْ يَنْفَعُ الْبِرُّ بَعْدَ الْفُجُورِ؟ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (: نِعْمَ التَّوبَةُ تَغْسِلُ الْحَوْبَةَ وَإِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ وَإِذَا ذَكَرَ الْعَبْدُ رَبَّهُ فِي الرَّخَاءِ أَعَانَهْ عِنْدَ البلاء. قال العامري: وكيف ذلك ياابن عبدلمطلب؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (: ذَلِكَ بِأَنَ اللَّهَ يَقُولُ: لَا أَجْمَعُ لِعَبْدِي أَمْنَيْنِ وَلَا أَجْمَعُ لَهُ خَوُفَينِ إِنْ هُوَ أَمِنَنِي في الدنيا خافني يَومَ أَجْمَعُ عِبَادِي فِي حَظِيرَةِ الْقُدُسِ فَيَدُومُ لَهُ أَمْنُهُ وَلَا أَمْحَقُهُ فِيمَنَ أَمْحَقُ فَقَالَ العامري: ياابن عبد المطلب إلامَ تدعو؟ قال: أدعو إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ

الصفحة 18