كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)
المخاطب بها وهو هنا الرسول فهو مما لا يشك فيه مؤمن وإن أراد جملة من الناس فيا حيهلا إذ أرباب الذوق يعرفونها وهم كثيرون في المحمديين والحمد لله نجوم سماء كلما أنقض كوكب بدا كوكب تأوى إليه كواكبه وجهل أمثالنا بالمراد منها لا يضر فإن من الأفعال التي كلفنا بها ما لا نعرف وجه الحكمة فيه كرمي الجمرات والسعي بين الصفا والمروة والرمل والإضطباع والطاعة في مثله أدل على كمال الإنقياد ونهاية التسليم فلم لا يجوز أن يأمرنا من لا يسئل عما يفعل جل شأنه بما لم نقف على معناه من الأقوال ويكون المقصود منذلك ظهور كمال الإنقياد من المأمور للآمر ونهاية التسليم والإمتثال للحكيم القادر لو قال تيها قف على جمر الغضى لوقفت ممتثلا ولم أتوقف على أن فيه فائدة أخرى هي أن الإنسان إذا وقف على المعنى وأحاط به سقط وقعه عن القلب وإذا لم يقف على المقصود منه مع القطع بأن المتكلم به حكيم فإنه يبقى قلبه إليه أبدا ومتلفتا نحوه سرمدا ومتفكرا فيه وطائرا إلى وكره بقدامي ذهنه وخوافيه وباب التكليف إشتغال السر بذكر المحبوب والتفكر فيه وفي كلامه فلا يبعد أن يعلم الله تعالى أن في بقاء العبد ملتفت الذهن مشتغل الخاطر بذلك أبدأ مصلحة عظيمة ومنة منه عليه جسيمة ربما يرقى بواسطتها إلى حظائر القدس ومعالم الأنس وأول العشق خيال وهذا لا ينافي كون القرآن عربيا مبينا مثلا لأنه بالنسبة إلى من علمت
وأما التحدي فليس بجميع أجزائه وكون أول السورة مما ينبغي أن يكون مما يتحدى به غير مسلم ومن عجائب هذه الفواتح أنها نصف حروف المعجم على قول وهي موجودة في تسع وعشرين سورة عدد الحروف كلها على قول وأشتملت على أنصاف أصنافها من المهموسة والمجهورة والشديدة والمطبقة والمستعلية والمنخفضة وحروف القلقلة وقد تكلم الشيخ الأكبر قدس سره على سر عدد حروفها بالتكرار وعدد حروفها بغير تكرار وعلى جملتها في السور وعلى أفرادها في ص و ق و ن وتثنيتها في يس و طه وأخواتهما وجمعها من ثلاثة فصاعدا ولم بلغت خمس حروف ولم وصل بعضها وقطع بعض فقال قدس سره في فتوحاته أعاد الله تعالى علينا من طيب نفحاته ما حصله : إعلم أن مبادي السور المجهولة لا يعلم حقيقتها إلا أهل الصور المعقولة فجعلها تبارك وتعالى تسعا وعشرين سورة وهو كمال الصورة والقمر قدرناه منازل والتاسع والعشرون القطب الذي به قوام الفلك وهو علة وجوده وهو سورة آل عمران ألم الله ولولا ذلك ما ثبتت الثمانية والعشرون وجملتها على تكرار الحروف ثمانية وسبعون حرفا فالثمانية حقيقة البضع قال الإيمان بضع وسبعون وهذه الحروف ثمانية وسبعون فلا يكمل عبد أسرار الإيمان حتى يعلم حقائق هذه الحروف في سورها كما أنه إذا علمها من غير تكرار علم تنبيه الله فيها على حقيقة الإيجاد وتفرد القديم سبحانه وتعالى بصفاته الأزلية فأرسلها في قرآنه أربعة عشر حرفا مفردة مبهمة فجعل الثمانية لمعرفة الذات والسبع الصفات منا وجعل الأربعة للطبائع المؤلفة فجاءت إثنتا عشرة موجودة وهذا الإنسان من هذا الفلك ومن فلك آخر متركب من أحد عشر ومن عشرة ومن تسعة ومن ثمانية حتى يصل إلى فلك الأثنين ولا يتحلل إلى الأحدية أبدا فإنها مما أنفرد بها الحق سبحانه ثم إنه تعالى جعل أولها الألف في الخط والهمزة في اللفظ وآخرها النون فالألف لوجود الذات على كمالها لأنها غير مفتقرة إلى حركة والنون لوجود الشطر من العالم وهو عالم التركيب وذلك نصف الدائرة الظاهرة لنا من الفلك والنصف الآخر النون المعقولة عليها التي لو ظهرت للحس وأنتقلت إلى عالم الروح لكانت دائرة محيطة ولكن أخفى هذه النون الروحانية التي بها كمال الوجود وجعلت نقطة النون المحسوسة دالة عليها
الصفحة 101
404