كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)

للفصل مثلا نعم إن قدرت بالمؤلف من هذه الحروف كانت في حيز الرفع على ما مر وإن جعلت مقسما بها يكون كل كلمة منها منصوبا أو مجرورا على اللغتين في الله لأفعلن وهل ذلك المجموع نحو الم و حم أو للألف والحاء مثلا على طريق الرمان حلو حامض خلاف والظاهر الأول وجوز بعضهم الرفع بالإبتداء والخبر قسمي محذوفا وتصريح الرضى بإختصاص ذلك فيما إذا كان المبتدأ صريحا في القسمية بجعله غير مرتضى وجعل بعضهم النصب في البعض مخصوصا بما إذا لم يمنع مانع كما في ص والقرآن فيتعين الجر للزوم المخالفة بين المتعاطفين وإجتماع القسمين حينئذ وفيه ما تقدم فلا تغفل وبقيت أقوال مبنية على أقوال لا أظنها تخفى عليك إن أحطت خبرا بما قدمناه لديك فتدبر وفي كون هذه الفواتح آية خلاف فقال الكوفيون : ا لم آية أينما وقعت وكذلك المص وطسم وأخواتهما وطه ويس وحم وأخواتها وكهيعص آية وحم عسق آيتان وأما المر وأخواتها الخمس فليست بآية وكذلك طس وص وق ون وقال البصريون : ليس شيء من ذلك آية وفي المرشد أن الفواتح في السور كلها آيات عند الكوفيين من غير تفرقة وليس بشيء كقول بعض أن الم في آل عمران ليست بآية ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين 2 جملة مستأنفة وإبتداء كلام أو متعلقة بما قبلها وفيه إحتمالات أطالوا فيها وكتاب الله تعالى يحمل على أحسن المحامل وأبعدها من التكلف وأسوغها في لسان العرب وذلك إشارة إلى الكتاب الموعود به صلى الله تعالى عليه وسلم بقوله تعالى : إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا كما قال الواحدي أو على لسان موسى وعيسى عليهما السلام لقوله تعالى : وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا الآية ويؤيده ما روى عن كعب عليكم بالقرآن فإنه فهم العقل ونور الحكمة وينابيع العلم وأحدث الكتب بالله عهدا وقال في التوراة يامحمد إني منزل عليك توراة حديثة تفتح بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا كما قاله غير واحد أو إلى ما بين أيدينا والإشارة بذلك للتعظيم وتنزيل البعد الرتبي منزلة البعد الحقيقي كما في قوله تعالى : فذلكن الذي لمتنني فيه كما أختاره في المفتاح أو لأنه لما نزل عن حضرة الربوبية وصار بحضرتنا بعد ومنأعطى غيره شيئا أو أوصله إليه أو لاحظ وصوله عبر عنه بذلك لأنه بإنفصاله عنه بعيد أو في حكمه وقد قيل : كل ما ليس في يديك بعيد
ولما لم يتأت هذا المعنى في قوله تعالى هذا كتاب أنزلناه لأنه إشارة إلى ما عنده سبحانه لم يأت بذلك مع بعد الدرجة وهذا الذكر حروف التهجي في الأول وهي تقطع بها الحروف وهو لا يكون إلا في حقنا وعدم ذكرها في الثاني فلذا أختلف المقامان وأفترقت الإشارتان كما قاله السهيلي وهو عند قوم تحقيق ويرشدك إلى ما فيه عندي نظر دقيق وأبعد بعضهم فوجه البعد بأن القرآن لفظ وهو من قبيل الإعراض السيالة الغير القارة فكل ما وجد منه أضمحل وتلاشى وصار منقضيا غائبا عن الحس وما هو كذلك في حكم البعيد وقيل لأن صيغة البعيد والقريب قد يتعاقبان كقوله تعالى في قصة عيسى عليه السلام : ذلك نتلوه عليك ثم قال تعالى : إن هذا لهو القصص الحق وله نظائر في الكتاب الكريم ونقله الجرجاني عن طائفة وأنشدوا : أقول له والرمح يأطر متنه تأمل خفافا إنني أنا ذلكا وليس بنص لإحتمال أن يكون المراد إنني أنا ذلك الذي كنت تحدث عنه وتسمع به وقول الإمام الرازي إن ذلك للبعيد عرفا لا وضعا فحمله هنا على مقتضى الوضع اللغوي لا العرفي مخالف لما نفهمه من كتب أرباب العربية وفوق كل ذي علم عليم والقول بأن الإشارة إلى التوراة والإنجيل كما نقل عن عكرمة إن كان قد ورد فيه حديث صحيح قبلناه وتكلفنا له وإلا ضربنا به الحائط وما كل إحتمال يليق وأغرب ما رأيناه في توجيه الإشارة أنها إلى الصراط

الصفحة 105